بحيْثُ القبابُ البيضُ والأسَلُ السُّمْرُ
لُيوثُ غُيوثٍ كلّما أخْلَفَ القَطْرُ
مَقاولُ منْ أقْيالِ سعْدِ بنِ خَزْرَجٍ
أنوفُهُمُ شُمٌّ وأوْجُهُهُمْ غُرُّ
يُشَبّ على أبْياتِهِم ضَرَمُ القِرى
فيَهْدي إذا ما ضَلّ في السّفْرِ السّفْرُ
يَقولونَ والآفاقُ غُبْرٌ مُغيمَةٌ
كأنّ على الأرْجاءِ أرْديةٌ غُبْرُ
إذا الوَفْرُ لم يُدْلِلْ على الحمْدِ ربَّهُ
فَلا جلّتِ النّعْمى ولا وَفَرَ الوَفْرُ
وما العُمْرُ إلا زينَةٌ مُسْتَعارَةٌ
تُرَدُّ ولكِنّ الثّناءَ هوَ العُمْرُ
وإنْ زَحَفوا منْ دونِ رايَةِ يوسُفٍ
تَقولُ تَعالَى مَنْ لهُ الخَلْقُ والأمْرُ
وتَبْصِرُ سُحْباً منْ دُروعٍ سَوابغٍ
يَطيرُ بِها عزْمٌ ويَقْدُمُها نصْرُ
إمامٌ بهِ عَزَّ الهُدى وتبادَرَتْ
لطاعَتِهِ الدُّنْيا وذَلّ بهِ الكُفْرُ
وأصْبَحَ ثغْرُ الثّأرِ يَبْسِمُ ضاحِكاً
وقد كانَ ممّا نابَهُ ليْسَ يَفْتَرُّ
أقامَ سِياجَ السِّلْمِ دونَ ذِمارِهِ
فَلا ظِنّةٌ تعْرَى ولا روْعَةٌ تَعْرو
تَناقَلَتِ الرُّكْبانُ طيبَ حَديثِهِ
فلمّا رأوْهُ صدّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ
فضاءٌ تَضيقُ الأرْضُ عنْهُ برَحْبِها
وشِيمَةُ حِلْمٍ لا يَضيقُ بِها صدْرُ
فَما عَمْرو إنْ قِيسَ يوْماً ببأسِهِ
وإنْ وصَفوهُ بالدّهاءِ فَما عَمْرُو
لكَ اللهُ ما أمْضى سُيوفَكَ في العِدى
إذا ما أسودُ الحرْبِ خامَرَها الذّعْرُ
ودارَتْ على أبْطالِها أكؤسُ الرّدى
فَمالَتْ كأنّ القوْمَ أزْرى بِها السُّكْرُ
وأيُّ فؤادٍ منْهُمُ غيْرُ خافِقٍ
إذا خفَقَتْ في الحرْبِ أعْلامُكَ الحُمْرُ
ومُدّتْ الى اللهِ الأكُفَّ ضَراعَةً
فقالَ لهنّ اللهُ قدْ قُضيَ الأمْرُ
وألْبَسَها النُّعْمى ببَيْعَتِكَ التي
بِها أمِنَ الإسْلامَ وانْسَدَلَ السَّتْرُ
وجاءَتْكَ كالآرامِ تخْتال في الحُلى
جِيادُ المَذاكي والمُحَجّلَةُ الغُرُّ
وِرادٌ وشُقْرٌ واضِحاتٌ شِياتُها
فأجْسامُها تِبْرٌ وأرْجُلُها دُرُّ
وشُهْبٌ إذا ما ضُمِّرَتْ يوْمَ غارَةٍ
مطهَّمةٌ غارَتْ بِها الشّهْبُ الزُّهْرُ
طَوافِحُ في أرْسانِهنّ فَوارِهٌ
يَبينُ على أعْطافِها الزّهْوُ والكِبْرُ
كأنّي بهِمْ لمّا تَعاطَوْا حديثَها
وأعْناقُهُمْ ميلٌ وأعْيُنُهمْ خُزْرُ
وجاشوا الى رأيِ منَ الكُفْرِ فائِلٍ
وغرّهُمُ الشّيْطانُ باللهِ فاغْتَرّوا
وربُّكَ بالنّصْرِ المؤزَّرِ كافِلٌ
فعادَتُهُ في قومِكَ العَضْدُ والنّصْرُ
كأنّك قدْ ذمّرْتَ كلَّ كَتيبةٍ
غَنائِمُها بيضٌ وآسالُها سُمْرُ
إذا ما انْجلَى عنها القَتام تدافَعَتْ
على الأرضِ منْ ماذِيِّها لُجَجٌ خُضْرُ
عليْها منَ الأبْطالِ كلَّ مجرِّبٍ
نِقابٍ تَساوى عنْدَهُ الحُلْوُ والمُرُّ
فدوَّخَتِ الآفاقَ حتّى أنيسُها
خَلاءٌ وحتّى ربْعُها بلْقَعٌ قَفْرُ
لقَدْ ضَلّ مَنْ يَبْغي من البحْرِ ضَلّة
ولمْ يدْرِ أنّ البَحْرَ أنْمُلُكَ العشْرُ
وعاشٍ لِنورِ النّيِّرَيْنِ بزَعْمِهِ
وما الشّمْسُ إلا دونَ وجْهِكَ والبَدْرُ
تلقّيْتَ شهْرَ الصّومِ بالبِرِّ والتُّقى
تودُّ بأنْ لا ينْقَضي ذلِكَ الشّهْرُ
وودَّعَ يَثْني بالذي أنْتَ أهْلُهُ
وقدْ جلّتِ الزُّلْفى وقد عظُمَ الأجْرُ
ووافاكَ شهْرُ الصّوْمِ يُزْهى بغُرّةٍ
ترِفُّ بِها البُشْرى ويَبْدو بِها البِشْرُ
أتَيْتَ مُصَلاّه على قدَمِ الرِّضى
وقدْ عظُمَ التّمْجيدُ للّهِ والذِّكْرُ
وقد غصَّ منْ وُسْعِ السّبيكَةِ وُسْعُها
وجرَّ بِها أذْيالَهُ العَسْكُرُ المَجْرُ
وما رِيءَ منْ مثْلٍ لهُ يوْمَ زينَةٍ
كأنّ نَضيرَ الزّهْر راقَ بهِ الزّهْرُ
ودارَتْ منَ الأغْزازِ تحْتَ لوائِها
رُماةٌ على أوْتارِها للعِدا وتْرُ
إذا اضْطَبَنوا أقْواسَهُمْ وتمَنْطَقوا
فتُبْصِرُ جيْشَ التُّرْكِ جاشَتْ بهِ مِصْرُ
فهُنّيتَهُ عيداً سَعيداً إذا انْقَضى
أتَتْكَ ضُروبٌ منْهُ ليْسَ لَها حصْرُ
ولا زِلْتَ في مُلْكٍ مَنيعٍ مؤيَّدٍ
تهَشُّ لهُ الدُّنْيا ويعْنو لهُ الدّهْرُ
إذا نحْنُ أثْنَيْنا عليْكَ بمِدْحَةٍ
فهَيْهاتَ يُحْصى الرّمْلُ أو يُحْصَرُ القَطْرُ
ولكنّنا نأتي بِما نسْتَطيعُهُ
ومَنْ بذَلَ المَجْهودَ حُقَ لهُ العُذْرُ