أعلمت أي معالم ومعاهد

التفعيلة : البحر الطويل

أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ

تذري عليها الدَّمع عبرة واجدِ

وقَفَ المشوق بها فشقَّ فؤاده

وأهاج ناراً ما لها من خامد

ولذلك الرّكب المناخ بها جوًى

لا يستقرُّ بها فؤاد الفاقد

من ناشد لي في المنازل مهجة

لو كانَ يجديها نشيد الناشد

وتردُّدُ الزفرات بين جوانحي

ممَّا يصُوب بمدمعي المتصاعد

أضناني الشَّوق المبرّح في الحشا

حتَّى خفيت من الضنى عن عابدي

ظعن الأُلى فتسابقت أظعانهم

تجتاب بين دكادكٍ وفدافد

قل للطعين من الهوى بقوامهم

ماذا لقيت من القوام المائد

إنِّي لأذكرهم على حَرِّ الظما

قد كدتُ أشرَقُ بالزُّلال البارد

منعوا طروق الطَّيف في سنة الكرى

هيهات يطرق ساهراً من راقد

بانوا فشيَّعَهُم فؤادٌ وامقٌ

وَرَجَعْتُ عنهم باصطبار بائد

جاهدت فيهم لوم كلّ مفند

لو أنَّ لي في الحبِّ أجرَ مجاهد

مه يا عذول فقد أطلتُ مقصراً

في واجدٍ تلحوه لا متواجد

يا دار حيَّاك الغمام بصيّبٍ

ينهلُّ بين بوارقٍ ورواعد

وسقى زمان اللَّهو فيك فإنَّه

زمنٌ مضى طرباً وليس بعائد

زمن لهوت به بكلِّ خريدة

لعِبَتْ محاسنها بلبّ العابد

دارت عليَّ الكأسُ في غسق الدجى

فشربتها ذهباً بماء جامد

وجرَيْت طلقاً في ميادين الهوى

لمصارع من غنية ومصائد

ولقد صَحَوْتُ من الشباب وسكره

ونظرت للدنيا بعَيْنَيْ زاهد

من راح تغريه مطالع نفسه

فيما يشان به فليس براشد

إنْ كادني الطمع المبيد بكيده

فلينظرنّ مخادعي ومكايدي

وإذا قسا الخطب الملمُّ فلا تلم

حاربْ زمانك ما استطعت وجالد

أعرضتُ عن بغداد إعراض امرئٍ

يرتاد ما يرضي مراد الرائد

من بعد ما غال الحمام أحِبَّتي

ولوى يدي بالنائبات وساعدي

حتَّى رأيت الخير يخصب ربعه

بأبي الخصيب ووجه عبد الواحد

بأجلّ من أفردته بفرائدي

وأجلّ من قَلَّدْتُه بقلائدي

وجهٌ عليه من الجمال أسِرَّةٌ

تبدو فتنبي عن جميل عوائد

في صُبح ذاك الوجْه سعد المشتري

وشهاب ذاك الوجه حدس عطارد

ابن المبارك لاسمه وسماته

ومبارك في النَّاس أكرم والد

سوق الأفاضل للفضائل كلها

في سوقه إنفاق شعر الكاسد

تفني أياديه الحطامَ تكرُّماً

فيفوز يومئذٍ بذكر خالد

تنهلُّ راحته بصيّبِ جودِه

عذب الموارد منهلٌ للوارد

لم تُبْقِ راحته وجود يمينه

من طارقٍ للمكرمات وتالد

لا زال في نعمائه وولائه

فرح الودود ورغم أنف الحاسد

لا تنكر الحسّاد من معروفه

شيئاً وليس لفضله من جاحد

وأغرَّ قد خفض الجناح لآمل

بَرٍّ رفعتُ إليه غُرَّ قصائدي

ومن السعادة أنْ أجيء بسابق

من برّه أسعى إليه وقائد

فأفوز منه بطلعة تجلو الدجى

وتضيء بالحسب الصميم الماجد

ولكم زودت موارداً من سيله

فحمدت فيه مصادري ومواردي

فإذا اعترفت من الكرام بفضله

جاءت مكارمه بألفي شاهد

شهد الرجال بفضله وبرأيه

بمواطن شتّى مضَتْ ومشاهد

يمضي معاديه ويخطو هابطاً

وترى مواليه بفخر صاعد

يا مَن يُغَرّ لجهله في حلمه

إيّاك من وَثَباتِ ليثٍ لابد

نقد الرجال رفيعهم ووضيعهم

والزيف يظهر عند نقد الناقد

بَعُدَتْ عن الفحشاء منه خلائق

بعد الصلاح من الزمان الفاسد

يوم النوال تراه أوَّلَ منعمٍ

ولدى الصلاة تراه وَّلَ ساجد

لو لامست صمَّ الجلامد كفُّه

لتفجَّرَت بالماء صمُّ جلامد

أطلقتُ ألسِنَة الثناءِ عليه في

شعر يقيِّدُ في علاه شواردي

قامت بخدمته السعادة عن رضىً

كم قائمٍ يسعى بخدمة قاعد

وفدت عليك مع الخلوص قصيدة

ولأنت أوَّل مكرم للوافد

لا غَرْوَ إنْ قَصَدَتْكَ ترغَب بالغِنى

أرأيت غيرك مقصداً للقاصد

فاقبل من الداعي إليك ثناءه

من شاكرٍ لك بالقريض وحامد

إنِّي رَفَعْتُ إليك ما قدّمته

لا زلت ترفع بالفخار قواعدي


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أي نار بها الجوانح تصلى

المنشور التالي

من أبي الهدى لاح فينا مظهر

اقرأ أيضاً