الدهر يوعد فرقة وزوالا

التفعيلة : البحر الكامل

الدَهرُ يوعِدُ فُرقَةً وَزَوالا

وَخُطوبُهُ لَكَ تَضرِبُ الأَمثالا

يا رُبَّ عَيشٍ كانَ يُغبَطُ أَهلُهُ

بِنَعيمِهِ قَد قيلَ كانَ فَزالا

يا طالِبَ الدُنيا لِيُثقِلَ نَفسَهُ

إِنَّ المُخِفَّ غَداً لَأَحسَنُ حالا

إِنّا لَفي دارٍ نَرى الإِكثارَ لا

يَبقى لِصاحِبِهِ وَلا الإِقلالا

أَأُخَيَّ إِنَّ المالَ إِن قَدَّمتَهُ

لَكَ لَيسَ إِن خَلَّفتَهُ لَكَ مالا

أَأُخَيَّ كُلٌّ لا مَحالَةَ زائِلٌ

فَلِمَن أَراكَ تُثَمِّرُ الأَموالا

أَأُخَيَّ شَأنَكَ بِالكَفافِ وَخَلَّ مَن

أَثرى وَنافَسَ في الحُطامِ وَغالى

كَم مِن مُلوكٍ زالَ عَنهُم مُلكُهُم

فَكَأَنَّ ذاكَ المُلكَ كانَ خَيالا

وَالدَهرُ أَلطَفُ خاتِلٍ لَكَ خَتلُهُ

وَالدَهرُ أَحكَمُ مَن رَماكَ نِبالا

حَتّى مَتى تُمسي وَتُصبِحُ لاعِباً

تَبغي البَقاءَ وَتَأمُلُ الآمالا

وَلَقَد رَأَيتُ الحادِثاتِ مُلِحَّةً

تَنعى المُنى وَتُقَرِّبُ الآجالا

وَلَقَد رَأَيتُ مَساكِناً مَسلوبَةً

سُكّانُها وَمَصانِعاً وَظِلالا

وَلَقَد رَأَيتَ مَنِ اِستَطاعَ بجَمعِهِ

وَبَنى فَشَيَّدَ قَصرَهُ وَأَطالا

وَلَقَد رَأَيتُ مُسَلَّطاً وَمُمَلَّكاً

وَمُفَوَّهاً قَد قيلَ قالَ وَقالا

وَلَقَد رَأَيتُ الدَهرَ كَيفَ يُبيدُهُم

شيباً وَكَيفَ يُبيدُهُم أَطفالا

وَلَقَد رَأَيتُ المَوتَ يُسرِعُ فيهِمُ

حَقّاً يَميناً مَرَّةً وَشِمالا

فَسَلِ الحَوادِثَ لا أَبا لَكَ عَنهُمُ

وَسَلِ القُبورَ وَأَحفِهِنَّ سُؤالا

فَلتُخبِرَنَّكَ أَنَّهُم خُلِقوا لِما

خُلِقوا لَهُ فَمَضَوا لَهُ أَرسالا

وَلَقَلَّ ما تَصفو الحَياةُ لِأَهلِها

حَتّى تُبَدَّلَ مِنُهُم أَبدالا

وَلَقَلَّ ما دامَ السُرورُ لِمَعشِرٍ

وَلَطالَما خانَ الزَمانُ وَغالا

وَلَقَلَّ ما تَرضى خِصالاً مِن أَخٍ

آخَيتَهُ إِلّا سَخِطتَ خِصالا

وَلَقَلَّ ما تَسخو بِخَيرٍ نَفسُهُ

حَتّى يُقاتِلَها عَلَيهِ قِتالا

أَأُخَيَّ إِنَّ المَرءَ حَيثُ فِعالُهِ

فَتَوَلَّ أَحسَنَ ما يَكونُ فِعالا

فَإِذا تَحامى الناسُ أَن يَتَحَمَّلوا

لِلعارِفاتِ فَكُن لَها حَمّالا

أَقصِر خُطاكَ عَنِ المَطامِعِ عِفَّةً

عَنها فَإِنَّ لَها صَفاً زَلّالا

وَالمالُ أَولى بِاِكتِسابِكَ مُنفِقاً

أَو مُمسِكاً إِن كانَ ذاكَ حَلالا

وَإِذا الحُقوقُ تَواتَرَت فَاِصبِر لَها

أَبَداً وَإِن كانَت عَلَيكَ ثِقالا

فَكَفى بِمُلتَمِسِ التَواضُعِ رِفعَةً

وَكَفى بِمُلتَمِسِ العُلُوِّ سِفالا

أَأُخَيَّ مَن عَشِقَ الرِئاسَةَ خِفتُ أَن

يَطغى وَيُحدِثَ بِدعَةً وَضَلالا

أَأُخَيَّ إِنَّ أَمامَنا كُرَباً لَها

شَغبٌ وَإِنَّ أَمامَنا أَهوالا

أَأُخَيَّ إِنَّ الدارَ مُدبِرَةٌ وَإِن

كُنّا نَرى إِدبارَها إِقبالا

أَأُخَيَّ لا تَجعَل عَلَيكَ لِطالِبٍ

يَتَتَبَّعُ العَثَراتِ مِنكَ مَقالا

فَالمَرءُ مَطلوبٌ بِمُهجَةِ نَفسِهِ

طَلَباً يُصَرِّفُ حالَهُ أَحوالا

وَالمَرءُ لا يَرضى بِشُغلٍ واحِدٍ

حَتّى يُوَلِّدَ شُغلُهُ أَشغالا

وَلَرُبَّ ذي عُلَقٍ لَهُنَّ حَلاوَةٌ

سَيَعُدنَ يَوماً ما عَلَيهِ وَبالا

وَأَرى التَواصُلَ في الحَياةِ فَلا تَدَع

لِأَخيكَ جُهدَكَ ما حَيِيتَ وِصالا

أَأُخَيَّ إِنَّ الخَلقَ في طَبَقاتِهِ

يُمسي وَيُصبِحُ لِلإِلَهِ عِيالا

وَاللَهُ أَكرَمُ مَن رَجَوتَ نَوالَهُ

وَاللَهُ أَعظَمُ مَن يُنيلُ نَوالا

مَلِكٌ تَواضَعَتِ المُلوكُ لِعِزِّهِ

وَجَلالِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى

لا شَيءَ مِنهُ أَدَقُّ لُطفَ إِحاطَةٍ

بِالعالَمينَ وَلا أَجَلُّ جَلالا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

يا رب شهوة ساعة قد أعقبت

المنشور التالي

تمسكت بآمال

اقرأ أيضاً

المرهم العجيب

بلادُ العُـرْبِ مُعجـزةٌ إلهيّـهْ نَعَـمْ واللّـهِ .. مُعجـزةٌ إلهيّـهْ . فَهـل شيءٌ سـوى الإعجـازِ يَجعَـلُ مَيْتَـةً حَيَّـهْ ؟!…