المرء آفته هوى الدنيا

التفعيلة : البحر الكامل

المَرءُ آفَتُهُ هَوى الدُنيا

وَالمَرءُ يَطغى كُلَّما اِستَغنى

إِنّي رَأَيتُ عَواقِبَ الدُنيا

فَتَرَكتُ ما أَهوى لِما أَخشى

فَكَّرتُ في الدُنيا وَجِدَّتِها

فَإِذا جَميعُ جَديدِها يَبلى

وَإِذا جَميعُ أُمورِها عُقَبٌ

بَينَ البَرِيَّةِ قَلَّما تَبقى

وَبَلَوتُ أَكثَرَ أَهلِها فَإِذا

كُلُّ امرِئٍ في شَأنِهِ يَسعى

وَلَقَد بَلَوتُ فَلَم أَجِد سَبَباً

بِأَعَزَّ مِن قَنَعٍ وَلا أَعلى

وَلَقَد طَلَبتُ فَلَم أَجِد كَرَماً

أَعلى بِصاحِبِهِ مِنَ التَقوى

وَلَقَد مَرَرتُ عَلى القُبورِ فَما

مَيَّزتُ بَينَ العَبدِ وَالمَولى

ما زالَتِ الدُنيا مُنَغَّصَةً

لَم يَخلُ صاحِبُها مِنَ البَلوى

دارُ الفَجائِعِ وَالهُمومِ وَدا

رُ البَثِّ وَالأَحزانِ وَالشَكوى

بَينا الفَتى فيها بِمَنزِلَةٍ

إِذ صارَ تَحتَ تُرابِها مُلقى

تَقفو مَساويها مَحاسِنَها

لا شَيءَ بَينَ النَعيِ وَالبُشرى

وَلَقَلَّ يَومٌ ذَرَّ شارِقُهُ

إِلّا سَمِعتَ بِهالِكٍ يُنعى

لا تَعتَبَنَّ عَلى الزَمانِ فَما

عِندَ الزَمانِ لِعاتِبٍ عُتبى

وَلَئِن عَتَبتَ عَلى الزَمانِ لِما

يَأتي بِهِ فَلَقَلَّ ما تَرضى

المَرءُ يوقِنُ بِالقَضاءِ وَما

يَنفَكُّ أَن يُعنى بِما يُكفى

لِلمَرءِ رِزقٌ لا يَموتُ وَإِن

جَهَدَ الخَلائِقُ دونَ أَن يَفنى

يا بانِيَ الدارِ المُعِدِّ لَها

ماذا عَمِلتَ لِدارِكَ الأُخرى

وَمُمَهِّدَ الفُرشِ الوَثيرَةِ لا

تُغفِل فِراشَ الرَقدَةِ الكُبرى

لَو قَد دُعيتَ لَما أَجَبتَ لِما

تُدعى لَهُ فَانظُر لِما تُدعى

أَتُراكَ تَحصي مَن رَأَيتَ مِنَ ال

أَحياءِ ثُمَّ رَأَيتَهُم مَوتى

فَلتَلحَقَنَّ بِعَرصَةِ المَوتى

وَلَتَنزِلَنَّ مَحَلَّةَ الهَلكى

مَن أَصبَحَت دُنياهُ غايَتَهُ

فَمَتى يَنالُ الغايَةَ القُصوى

بِيَدِ الفَناءِ جَميعُ أَنفُسِنا

وَيَدُ البِلى فَلَها الَّذي يُبنى

لا تَغتَرِر بِالحادِثاتِ فَما

لِلحادِثاتِ عَلى امرِئٍ بُقيا

لا تَغبِطَنَّ أَخاً بِمَعصِيَةٍ

لا تَغبِطَن إِلّا أَخا التَقوى

سُبحانَ مَن لا شَيءَ يَعدِلُهُ

كَم مِن بَصيرٍ قَلبُهُ أَعمى

سُبحانَ مَن أَعطاكَ مِن سَعَةٍ

سُبحانَ مَن أَعطاكَ ما أَعطى

فَلَئِن عَقَلتَ لَتَشكُرَنَّ وَإِن

تَشكُر فَقَد أَغنى وَقَد أَقنى

وَلَئِن بَكَيتَ لِرِحلَةٍ عَجِلاً

نَحوَ القُبورِ فَمِثلُها أَبكى

وَلَئِن قَنِعتَ لَتَظفَرَنَّ بِما

فيهِ الغِنى وَالراحَةُ الكُبرى

وَلَئِن رَضيتَ عَلى الزَمانِ فَقَد

أَرضى وَأَغضَبَ قَبلَكَ النَوكى

وَلَقَلَّ مَن تَصفو خَلائِقُهُ

وَلَقَلَّ مَن يَصفو لَهُ المَحيا

وَلَرُبَّ مَزحَةِ صادِقٍ بَرَزَت

في لَفظَةٍ وَكَأَنَّها أَفعى

وَالحَقُّ أَبلَجُ لا خَفاءَ بِهِ

مُذ كانَ يُبصِرُ نورَهُ الأَعمى

وَالمَرءُ مُستَرعىً أَمانَتَهُ

فَليَرعَها بِأَصَحِّ ما يُرعى

وَالرِزقُ قَد فَرَضَ الإِلَهُ لَنا

مِنهُ وَنَحنُ بِجَمعِهِ نُعنى

عَجَباً عَجِبتُ لِطالِبٍ ذَهَباً

يَفنى وَيَرفُضُ كُلَّ ما يَبقى

حَقّاً لَقَد سَعِدَت وَما شَقِيَت

نَفسُ امرِئٍ يَرضى بِما يُعطى


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

الحمد لله على ما نرى

المنشور التالي

أما من الموت لحي نجا

اقرأ أيضاً

الأمر آل أحسن المآل

الأَمرُ آل أَحسَنَ المآلِ بِيُمنِ إِبراهيمَ رَأسِ الآلِ فَتى العَفافِ وَالحجى وَالنائِلِ وَمَعدِنِ الأَخلاقِ وَالفَضائِلِ دَعى القرى لِأَمره…