أمسعود جاء السعد والخير واليسر

التفعيلة : البحر الطويل

أمسعود جاء السعد والخير واليسر

وولّت جيوش النحس ليس لها ذكرُ

ليالي صدودٍ وانقطاعٍ وجفوةٍ

وهجران ساداتٍ فلا ذكرَ الهجر

فأيامها أضحت قتاماً ودجنةً

ليالي لا نجم يضيء ولا بدر

فراشي فيها حشوه الهم والضنى

فلا التذ لي جنب ولا التذ لي ظهر

ليالي أنادي والفؤاد متيّم

ونار الجوى تشوي لما قد حوى الصدر

أمولاي طال الهجر وانقطع الصبر

أمولاي هذا الليل هل بعده فجر

أغث يا مغيث المستغيثين والهاً

ألمّ به من بعد أحبابه الضر

أسائل كل الخلق هل من مخبّر

يحدّثني عنكم فينعشني الخبر

إلى أن دعتني همة الشيخ من مدى

بعيد ألا فادن فعندي لك الذخر

فشمّرت عن ذيلي الإطار وطار بي

جناح اشتياقٍ ليس يخشى له كسر

وما بعدت عن ذا المحب تهامةٌ

ولم يثنه سهل هناك ولا وعر

إلى أن أنخنا بالبطاح ركابنا

وحطت بها رحلي وتم لها البشر

بطاح بها البيت المعظّم قبلةٌ

فلا فخر إلا فوقه ذلك الفخر

بطاح بها الصيد الحلال محرمٌ

ومن حلها حاشاه يبقى له وزر

أتاني مربي العارفين بنفسه

ولا عجبٌ فالشأن أضحى له أمر

وقال فإني منذ أعداد حجة

لمنتظر لقياك يا أيها البدر

فأنت بنيي مذ ألست بربكم

وذا الوقت حقاً ضمّه اللوح والسطر

وجدّك قد أعطاك من قدم لنا

ذخيرتكم فينا ويا حبذا الذخر

فقبّلت من أقدامه وبساطه

وقال لك البشرى بذا قضي الأمر

وألقى على صفري باكسير سرّه

فقيل له هذا هو الذهب التبر

وأعني به شيخ الأنام وشيخ من

له عمة في عذبة وله الصدر

عياذي ملاذي عمدتي ثم عدّتي

وكهفي إذا أبدى نواجذه الدهر

غياثي من أيدي العداة ومنقذي

منيري مجيري عندما غمّني الغمر

ومحبي رفاتي بعد أن كنت رمة

وأكسبني عمراً لعمري هو العمر

محمدٌ الفاسي له من محمد

صفيّ الإله الحال والشيم الغرّ

بفرض وتعصيب غدا أرثه له

هو البدر بين الأوليا وهم الزهر

شمائله تغنيك إن رمت شاهدا

هي الروض لكن شق اكمامه القطر

تضوّع طيبا كلّ زهر بنشره

فما المسك ما الكافور ما الند ما العطر

وما حاتم قل لي وما حلم أحنف

وما زهد ابراهيم أدهم ما الصبر

صفوحٌ يغض الطرف عن كلّ زلةٍ

لهيبته ذلّ الغضنفر والنمر

هشوشٌ بشوشٌ يلقى بالرحب قاصداً

وعن مثل حب المزن تلقاه يفترّ

فلا غضبٌ حاشا بأن يستفزه

ولا حدّة كلا ولا عنده ضرّ

لنا منه صدرٌ ما تكدّره الدلا

ووجه طليق لا يزايله البشر

ذليلٌ لأهل الفقر لا عن مهانةٍ

عزيزٌ ولا تيه لديه ولا كبر

وما زهرة الدنيا بشء له يُرى

وليس لها يوما بمجلسه نشر

حريصٌ على هدي الخلائق جاهد

رحيمٌ بهم برٌ خبير له القدر

كساه رسول اللّه ثوب خلافةٍ

له الحكم والتصريف والنهي والأمر

وقيل له إن شئت قل قدمي علا

على كلّ ذي فضل أحاط به العصر

فذلك فضلُ اللّه يؤتيه من يشا

وليس على ذي الفضل حصرٌ ولا حجر

وذا وأبيك الفخر لا فخر من غدا

وقد ملك الدنيا وساعده النصر

وهذا كمالٌ كلّ عن وصف كنهه

فمن يدّعي هذا فهذا هو السر

أبو حسنٍ لو قد رآه أحبّه

وقال له أنت الخليفة يا بحر

وما كل شهم يدعى السبق صادق

إذا سيق للميدان بان له الخسر

وعند تجلّي النقع يظهر من علا

على ظهر جردبل ومن تحته حمر

وما كل من يعلو الجواد بفارس

إذا ثار نقع الحرب والجو مغبر

فيحمي ذماراً يوم لاذوا حفيظةٍ

وكل حماة الحي من خوفهم فرّوا

ونادى ضعيف الحي من ذا يغيثني

أما من غيور خانني الصبر والدهر

وما كلّ سيف ذو الفقار بحدّه

ولا كل كرارٍ عليا إذا كروا

وما كلّ طير طار في الجو فاتكاً

وما كل صياح إذا صرصر الصقر

وما كل من يسمى بشيخ كمثله

وما كل من يدعى بعمروٍ إذا عمرو

وذا مثلٌ للمدعين ومن يكن

على قدم صدق طبيبا له خبر

فلا شيخ إلا من يخلّص هالكاً

غريقاً ينادي قد أحاط بي المكر

ولا تسألن عن ذي المشائخ غير من

له خبرةٌ فاقت وما هو مغترّ

تصفّح أحوال الرجال مجربّا

وفي كل مصر بل وقطر له أمر

فانعم بمصرٍ ربّت الشيخ يافعا

وأكرم بقطر طار منه له ذكر

فمكّة ذي خير البلاد فديتها

فما طاولتها الشمس يوما ولا النسر

بها كعبتان كعبة طاف حولها

حجيج الملا بل ذاك عندهم الظفر

وكعبة حجّاج الجناب الذي سما

وجلّ فلا ركنٌ لديه ولا حجر

وشتّان ما بين الحجيجين عندنا

فهذا له ملك وهذا له أجر

عجبتُ لباغي السير للجانب الذي

نقدّس ممّا لا يجدّ له السير

ويلقي إليه نفسه بفنائه

بصدقٍ تساوى عنده السر والجهر

فيلقى مناخ الجود والفضل واسعا

ويلقى فراتا طاب نهلا فما القطر

ويلقى رياضا أزهرت بمعارفٍ

فيا حبذا المرأى ويا حبذا الزهر

ويلقى جنانا فوق فردوسها العلى

وما لجنان الخلد ان عبّقت نشر

ويشرب كأساً صرفة من مدامةٍ

فيا حبذا كاس ويا حبذا خمر

فلا غول فيها لا ولا عنها نزفة

وليس لها برد وليس لها حرّ

ولا هو بعد المزج أصفر فاقع

ولا هو قبل المزج قانٍ ومحمر

معتّقة من قبل كسرى مصونة

وما ضمّها دنّ ولا نالها عصر

ولا شانها زقّ ولا سار سائر

بأجمالها كلا ولا نالها تجر

فلو نظر الأملاك ختم إنائها

تخلّوا عن الأملاك طوعا ولا قهر

ولو شمّت الأعلام في الدرس ريحها

لما طاش عن صوب الصواب لها فكر

فيا بعدهم عنها ويا بئس ما رضوا

فقد صدّهم قصدٌ وسيرّهم وزر

هي العلم كلّ العلم والمركز الذي

به كلّ علمٍ كلّ حينٍ له دور

فلا عالم إلاّ خبيرٌ بشربيها

ولا جاهلٌ إلا جهولٌ بها غرّ

ولا غبن في الدنيا ولا من رزيئةٍ

سوى رجل عن نيلها حظّه نزر

ولا خسر في الدنيا ولا هو خاسرٌ

سوى والهٍ والكفّ من كأسها صفر

إذا زمزم الحادي بذكر صفاتها

وصرح ما كنّى ونادى نأى الصبر

وقال اسقني خمراً وقل لي هي الخمر

ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر

وصرّح بمن تهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللذات من دونها ستر

نرى سائقيها كيف هامت عقولهم

ونازلهم بسطٌ وخامرهم سكر

وتاهوا فلم يدروا من التيه من هم

وشمس الضحى من تحت أقدامهم عفر

وقالوا فمن يرجى من الكون غيرنا

فنحن ملوك الأرض لا البيض والحمر

تميد بهم كاسٌ بها قد تولّهوا

فليس لهم عرفٌ وليس لهم نكر

حيارى فلا يدرون أين توجّهوا

فليس لهم ذكرٌ وليس لهم فكر

فيطربهم برقٌ تألّق بالحمى

ويرقصهم رعد بسلعٍ له أزر

ويسكرهم طيب النسيم إذا سرى

تظنّ بهم سحرا وليس بهم سحر

وتبكيهم ورق الحمائم في الدجى

إذا ما بكت من ليس يدري لها وكر

بحزنٍ وتلحين تجاوبتا بما

تذوب له الأكباد والجلمد الصخر

وتسبيهم غزلان رامة إن بدت

وأحداقها بيض وقاماتها سمر

وفي شمّها حقا بذلنا نفوسنا

فهان علينا كلّ شيء له قدر

وملنا عن الأوطان والأهل جملة

فلا قاصرات الطرف تثني ولا القصر

ولا عن أصيحاب الذوائب من غدت

ملاعبهم منى الترائب والنحر

هجرنا لها الأحبا والصحب كلهم

فما عاقنا زيدٌ ولا راقنا بكر

ولا ردّنا عنها العوادي ولا العدا

ولا هالنا قفرٌ ولا راعنا بحر

وفيها حلا لي الذلّ من بعد عزة

فيا حبذا هذا ولو بدءهمرّ

وذلك من فضل الإله ومنّه

عليّ فما للفضل عدّ ولا حصر

وقد أنعم الوهّاب فضلا بشربها

فللّه حمد دائمٌ وله الشكر

فقل لملوك الأرض أنتم وشأنكم

فقسمتكم ضئزى وقسمتنا كثر

خذ الدينا والأخرى أباغيهما معاً

وهات لنا كأسا فهذا لنا وفر

جزى اللّه عنّا شيخنا خير ما جوى

به هادياً فالأجر منه هو الأجر

أمولاي إني عبد نعمائك التي

بها صار لي كنزٌ وفارقني الفقر

وصرت مليكاً بعد ما كنت سوقة

وساعدني سعد فحصباؤنا درّ

أمولاي إني عبد بابك واقف

لفيضك محتاجٌ لجودك مضطر

فمر أمر مولى للعبيد فإنني

أنا العبدذاك العبد لا الخادم الحرّ

هنيئاً لنا يا معشر الصحب إننا

لنا حصنُ أمن ليس يطرقه ذعر

فنحن بضوء الشمس والغير في دجى

وأعينهم عميٌ وآذانهم وقر

ولا غرو في هذا وقد قال ربّنا

تراهم عيون ينظرون ولا بصر

وغيم السما مهما سما هان أمره

فليس يرى إلا لمن ساعد القدر

ألا فاعلموا شكرا لمن جاد بالذي

هدانا ومن نعمائه عمّنا اليسر

وصلّوا على خير الورى خير مرسل

وروح هداة الخلق حقاً وهم ذرّ

عليه صلاة اللّه ما قال قائل

أمسعود جاء السعد والخير واليسر


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

الحمد لله قد خصني

المنشور التالي

بماذا يكون الكشف في آخر العمر

اقرأ أيضاً

أيوعدني بكر وينفض عرفه

أَيوعِدُني بَكرٌ وَيَنفُضُ عُرفَهُ فَقُلتُ لِبَكرٍ إِنَّما أَنتَ حالِمُ سَتَمنَعُني مِنكُم رِماحٌ ثَرِيَّةٌ وَغَلصَمَةٌ تَزوَرُّ عَنها الغَلاصِمُ فَما…