ألم تدر ما قال الظباء السوانح

التفعيلة : البحر الطويل

أَلَم تَدرِ ما قالَ الظِباءُ السَوانِحُ

مَرَرنَ أَمامَ الرَكبِ وَالرَكبُ رائِحُ

فَسَبَّحَ مَن لَم يَزجُرِ الطَيرَ مِنهُمُ

وَأَيقَنَ قَلبي أَنَّهُنَّ نَواجِحُ

فَأَوَّلُ مَن مَرَّت بِهِ الطَيرُ نِعمَةٌ

لَنا وَمَبيتٌ عِندَ لَهوَةَ صالِحُ

سَبَتكَ بِعَينَي جُؤذَرٍ حَفَلَتهُما

رِعاثٌ وَبَرّاقٌ مِنَ اللَونِ واضِحُ

وَأَسوَدَ مَيّالٍ عَلى جيدِ مُغزِلٍ

دَعاها طَلىً أَحوى بِرَمّانَ راشِحُ

وَعَذبُ الكَرى يَشفي الصَدى بَعدَ هَجعَةٍ

لَهُ مِن عُروقِ المُستَظِلَّةِ مائِحُ

غَذاهُ وَحَولِيُّ الثَرى فَوقَ مَتنِهِ

مَدَبُّ الأَتِيِّ وَالأَراكِ الدَوائِحُ

فَلَمّا اِنجَلى عَنهُ السُيولُ بَدا لَها

سَقِيُّ خَريفٍ شُقَّ عَنهُ الأَباطِحُ

إِذا ذُقتَ فاها قُلتَ طَعمَ مُدامَةٍ

دَنا الزِقُّ حَتّى مَجَّها وَهوَ جانِحُ

وَفي العاجِ وَالحِنّاءِ كَفٌّ بَنانُها

كَشَحمِ النَقا لَم يُعطِها الزَندَ قادِحُ

فَكَيفَ الصِبى بَعدَ المَشيبِ وَبَعدَما

تَمَدَّحتَ وَاِستَعلى بِمَدحِكَ مادِحُ

وَقَد رابَني أَنَّ الغَيورَ يَوَدُّني

وَأَنَّ نَدامايَ الكُهولُ الجَحاجِحُ

وَصَدَّ ذَواتُ الضِغنِ عَنّي وَقَد أَرى

كَلامِيَ تَهواهُ النِساءُ الجَوامِحُ

وَهِزَّةَ أَظعانٍ عَلَيهِنَّ بَهجَةٌ

طَلَبتُ وَرَيعانُ الصِبى فِيَّ جامِحُ

بِأَسفَلِ ذي بيضٍ كَأَنَّ حُمولَها

نَخيلُ القُرى وَالأَثأَبُ المُتَناوِحُ

فَعُجنَ عَلَينا مِن عَلاجيمَ جِلَّةٍ

لِحاجَتِنا مِنها رَتوكٌ وَفاسِحُ

يُحَدِّثنَنا بِالمُضمَراتِ وَفَوقَها

ظِلالُ الخُدورِ وَالمَطِيُّ جَوانِحُ

يُناجينَنا بِالطَرفِ دونَ حَديثِنا

وَيَقضينَ حاجاتٍ وَهُنَّ مَوازِحُ

وَخالَطَنا مِنهُنَّ ريحُ لَطيمَةٍ

مِنَ المِسكِ أَدّاها إِلى الحَيِّ رابِحُ

صَلَينَ بِها ذاتَ العِشاءِ وَرَشَّها

عَلَيهِنَّ في الكَتّانِ رَيطٌ نَصائِحُ

فَبِتنا عَلى الأَنماطِ وَالبيضُ كَالدُمى

تُضيءُ لَنا لَبّاتِهِنَّ المَصابِحُ

إِذا فاطَنَتنا في الحَديثِ تَهَزهَزَت

إِلَيها قُلوبٌ دونَهُنَّ الجَوانِحُ

وَظَلَّ الغَيورُ آنِفاً بِبَنانِهِ

كَما عَضَّ بِرذَونٌ عَلى الفَأسِ جامِحُ

كَئيباً يَرُدُّ اللَهفَتَينِ لِأُمِّهِ

وَقَد مَسَّهُ مِنّا وَمِنهُنَّ ناطِحُ

فَلَمّا تَفَرَّقنا شَجينَ بِعَبرَةٍ

وَزَوَّدنَنا نُصباً وَهُنَّ صَحائِحُ

فَرَفَّعَ أَصحابي المَطِيَّ وَأَبَّنوا

هُنَيدَةَ فَاِشتاقَ العُيونُ اللَوامِحُ

فَوَيلُ اِمِّها مِن خُلَّةٍ لَو تَنَكَّرَت

لِأَعدائِنا أَو صالَحَت مَن نُصالِحُ

وَصَهباءَ مِن حانوتِ رَمّانَ قَد غَدا

عَلَيَّ وَلَم يَنظُر بِها الشَرقَ صابِحُ

فَساقَيتُها سَمحاً كَأَنَّ نَديمَهُ

أَخا الدَهرِ إِذ بَعضَ المُساقينَ فاضِحُ

فَقَصَّرَ عَنّي اليَومَ كَأسٌ رَوِيَّةٌ

وَرَخصُ الشِواءِ وَالقِيانُ الصَوادِحُ

إِذا نَحنُ أَنزَفنا الخَوابِيَ عَلَّنا

مَعَ اللَيلِ مَلثومٌ بِهِ القارُ ناتِحُ

لَدُن غُدوَةً حَتّى نَروحَ عَشِيَّةً

نُحَيّا وَأَيدينا بِأَيدٍ نُصافِحُ

إِذا ما بَرَزنا لِلفَضاءِ تَقَحَّمَت

بِأَقدامِنا مِنّا المِتانُ الصَرادِحُ

وَداوِيَّةٍ غَبراءَ أَكثَرُ أَهلِها

عَزيفٌ وَهامٌ آخِرُ اللَيلِ ضابِحُ

أَقَرَّ بِها جَأشي بِأَوَّلِ آيَةٍ

وَماضٍ حُسامٍ غِمدُهُ مُتَطايِحُ

يَمانٍ كَلَونِ المِلحِ يُرعَدُ مَتنُهُ

إِذا هُزَّ مَطبوعٌ عَلى السَمِّ جارِحُ

يُزيلُ بَناتِ الهامِ عَن سَكَناتِها

وَما يَلقَهُ مِن ساعِدٍ فَهوَ طائِحُ

كَأَنَّ بَقايا الأُثرِ فَوقَ عَمودِهِ

مَدَبُّ الدَبا فَوقَ النَقا وَهوَ سارِحُ

وَطَخياءَ مِن لَيلِ التِمامِ مَريضَةٍ

أَجَنَّ العَماءُ نَجمَها فَهوَ ماصِحُ

تَعَسَّفتُها لَمّا تَلاوَمَ صُحبَتي

بِمُشتَبِهِ المَوماةِ وَالماءُ نازِحُ

وَعِدٍّ خَلا فَاِخضَرَّ وَاِصفَرَّ ماؤُهُ

لِكُدرِ القَطا وِردٌ بِهِ مُتَطاوِحُ

نَشَحتُ بِها عَنساً تَجافى أَظَلُّها

عَنِ الأُكمِ إِلّا ما وَقَتها السَرائِحُ

فَسافَت جَباً فيهِ ذُنوبٌ هَراقَهُ

عَلى قُلُصٍ مِن ضَربِ أَرحَبَ ناشِحُ

تَريكٍ يَنِشُّ الماءَ في حَجَراتِهِ

كَما نَشَّ جَزرٌ خَضخَضَتهُ المَجادِحُ

كَريحِ خُزامى حَرَّكَتها عَشِيَّةً

شَمالٌ وَبَلَّتها القِطارُ النَواضِحُ

فَأَصبَحَتِ الصُهبُ العِتاقُ وَقَد بَدا

لَهُنَّ المَنارُ وَالجَوادُ اللَوائِحُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لتهجع واستبقيتها ثم قلصت

المنشور التالي

أفي أثر الأظعان عينك تلمح

اقرأ أيضاً

تبدلت اكسارا بالنشاط

تَبَدَّلتُ اِكِساراً بِالنَشاطِ وَشَدَّ الحُبُّ بِالبَلوى رِباطي وَلَولا أَنَّني أَسطو بِصَبرٍ عَلى قَلبي لَبانَ مِنَ النِياطِ وَأَنوَكَ قالَ…