كَلِفتَ بِتَعنيفي بِلا طَلَبٍ عُذري
وَأَفرَطتَ في عَذلي وَفَرَّطتَ في عُذري
إِذا ما جَرى دَمعي جَواباً لِعاذِلٍ
فَإِنَّ انتِظامَ الوَجدِ في ذَلِكَ النَثرِ
وَحارَبتَني فَأْذَن بِحَربِ لَواحِظٍ
أُجَرِّدُهانَصلي فَتَضمَنُ لي نَصري
وَإِنّي لَأَهوى العَذلَ في حُبِّ قاتِلي
وَلَم أَرَهُ يُغني وَلَكِنَّهُ يُغري
وَإِنّي إِذا أَجرَيتُ ذِكرَكَ خالِياً
لَأَلتَذُّ فيكُم بِالدُموعِ الَّتي تَجري
عَلى أَنَّها جَمرٌ وَإِن غَرَّ ماؤُها
فَلي راحَةٌ في أَن أُجَفِّفَ مِن جَمري
يَقولونَ إِنَّ الصَبرَ يُعقِبُ راحَةً
وَما ضَمِنوا تَبليغَ عاقِبَةِ الصَبرِ
وَفي الصَبرِ رِبحٌ أَو طَريقٌ مُبَلِّغٌ
إِلى الرِبحِ لَكِنَّ الخَسارَةَ في عُمري
وَقَد هَدَّدوني بِالرَحيلِ وَما دَرَوا
بِأَنَّهُمُ قَد سافَروا قَبلُ بِالهَجرِ
وَلَو أَنَّ قَلبي بَينَ جَنبَيَّ حاضِرٌ
شَكَوتُ بِهِ ما قَد لَقيتُ مِنَ الضُرِّ
أَغَرَّ عُيونَ القَومِ أَنِّيَ مُطلَقٌ
وَما عَلِموا أَنّي مِنَ الوَجدِ في أَسرِ
وَإِنّي لَأَجرا الناسِ قَلباً عَلى أَسىً
وَدَمعاً عَلى رَبعٍ وَقلَباً عَلى فِكرِ
وَأَجبَنُهُم في الحُبِّ جَفناً عَنِ الكَرى
وَنُطقاً عَنِ السَلوى وَعَزماً عَنِ الصَبرِ
فَلا تَحسَبَنّي ضاحِكاً عَن مَسَرَّةٍ
فَكَم ضاحِكٍ باكي العُيونِ مِنَ الفِكرِ
وَغَيداءَ مِثلِ الخَمرِ يُعقِبُ وَصلُها
خُماراً وَلَكِنَّ الخَديعَةَ بِالسُكرِ
عَلى أَنَّني أَستَوقِفُ الخَمرَ إِن سَرَت
وَتَبلغُ ما لا يَبلُغُ الخَمرُ مِن سِرّي
مُحَلِّيَةٌ لِلحَلي عاطِلَةٌ بِهِ
وَحَسبُكَ ما في الغيدِ من حِليَةِ السِحرِ
عَلامَ جَحَدتِ البَدرَ مِنكِ مَكانَهُ
أَما تَكتُميهِ بِالقُطوبِ لَدى الثَغرِ
وَلَم يُخرِجِ الدُرَّ الَّذي البَحرُ دارُهُ
سِوى غُلَّةٍ مِنهُ إِلى ذَلِكَ البَحرِ
وَما سَمِعَت أُذنايَ قَبلَ لِقائِها
بِحَلْي عَلى حَلْيٍ وَدُرٍّ عَلى دُرِّ
بَدَت فَأَرَتني غُرَّةَ الدَهرِ طَلعَةٌ
فَمَن لي بِها وَالعَيشُ في غُرَّةِ الدَهرِ
وَلَمّا رَأَت عَيني شُجاعَ بنَ شاوِرٍ
عَجِبتُ لِأَخبارِ تَقِلُّ عَنِ الخُبرِ
بدت صورةٌ بل سورةٌ قد تنزَّلَت
محيَّاهُ منها موجبٌ سجدةَ الشكرِ
وَسَبَّحتُ رَبَّ العالَمينَ لِأَنَّني
رَأَيتُهُم مُستَجمِعينَ بِلا حَشرِ
وَقَد سُيِّبَت أَرزاقُهُم مِن يَمينِهِ
وَهَل يَستَجيرُ القُطرُ يَوماً سِوى القَطرِ
وَأُقسِمُ لَولا أَنَّهُ طَودُ عِزَّةٍ
وَمِن مَوعِدِ الأَطوادِ في الحَشرِ أَن تَسري
ذُهِلتُ لِأَسرارِ القِيامَةِ إِذ بَدَت
لِأَنّي رَأَيتُ الجودَ مُنفَجِرَ البَحرِ
وَدارُكَ بِالدُنيا وَكَفُّكَ بِالحَيا
وَظِلُّكَ بِالمَحيا وَيَومُكَ بِالدَهرِ
وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ مُرخِصَ مَهرِها
فَإِنَّكَ أَنصَفتَ المَكارِمَ في المَهرِ
بِحِلمٍ بِلا ضَعفٍ وَحُكمٍ بِلا هَوىً
وَفَتكٍ بِلا ذُعرٍ وَجودٍ بِلا عُذرِ
وَسُحبِ يَدٍ لَم تَهمِ إِلّا بِأَحمَرٍ
فَفي الحَربِ أَو في السِلمِ بِالدَمِ وَالتِبرِ
وَطَهَّرتَ أَرضاً قَد وَطِئتَ تُرابَها
فَلَسنا نَرى فيها لِصَدِّكَ مِن فِترِ
فَأَلوِيَةٌ حُمرٌ مِنَ الطَعنِ في العِدى
وَفي اللَيلِ مِن نارٍ بِأَلوِيَةٍ حُمرِ
تُعيدُهُمُ تِلكَ العَزائِمُ إِن سَطَت
حَواصِلَ مِصرٍ في حَواصِلَ مِن نَصرِ
وَتَكسو الظُبا مِنهُم دِماءٌ بَدَت بِها
لَنا النارُ لا تُطفى وَتَطفو عَلى النَهرِ
كَأَنَّ عِداكُم مُغضَبونَ عَلى القَنا
وَإِن يَلقَها مِنهُم جَريءٌ فَبِالظَهرِ
أَلا شَدَّ ما أَسقَت يَداكَ فَأَنبَتَت
غُصونَ قَناً وَالهامُ فيهِنَّ كَالثَمْرِ
إِذا شَرِبَت خَمرَ الدِما وَتَرَنَّحَت
أَقَمتَ بِأَن حَطَّمتَها الحَدَّ في السُكرِ
إِلى القَومِ جادوا قَبلَ أَن يَسأَلوا النَدى
وَما اِفتَقَرَت قُلبُ الغَمامِ إِلى حَفرِ
حُماةٌ كَأَنَّ الشَمسَ بَعضُ نِسائِهِم
فَقَد كَتَموها لِلغِنى في خِبا خِدرِ
هُمُ خَطَبوا بِكرَ العُلا وَعَوانَها
بِجُردٍ عَوانِ البِكرِ
وَأَندِيَةٍ خُضرِ مِنَ الخِصبِ دونَها
سُيوفٌ رَمَينَ الجَدبَ في اللُجَجِ الخُضرِ
وَرَأيٍ بِتَقديرٍ وَعَفوٍ بِقُدرَةٍ
وَجودٍ عَلى قَدرِ وَقيلٍ عَلى قَدرِ
وَقَد حَفِظَ الرَحمَنُ بِاللَوحِ ذِكرَهُ
فَيَهنيكُمُ أَن كُنتُمُ سِرَّ ذا الذَكرِ
وَأَخذِهِمُ أَلواحَ مُعجِزِ آيِهِ
كَما أَخَذَ الأَلواحَ موسى عَلى قَدرِ
كَما كانَ نوحٌ إِذ طَغى الماءُ راكِباً
عَلى ذاتِ أَلواحٍ بِتَدبيرِهِ تَجري
ثَبَتُّم بِأَلواحٍ ثَباتَ عَزيمَةٍ
بِها السُمرُ قَد نُظِّمنَ لِلصَفِّ في سَطرِ
وَحَذَّرَهُم مَن كانَ يُعنى بِأَمرِهِم
وَما يَنفَعُ التَحذيرُ عِندَ اِنقِضا الأَمرِ
وَقالَ لَهُم نِمتُم فَلا تُنبِهوا القَطا
وَلَو لَم تُنَبَّه باتَتِ الطَيرُ لا تَسري
وَلَمّا اِستَغاثوا ما أُغيثوا وَكَيفَ أَن
يُغاثَ بُغاثٌ وَهوَ في مِخلَبِ الصَقرِ
تَوَقَّ اِبتِداءَ الأَمرِ قَبلَ اِنتِشارِهِ
وَحاذِر شَرارَ النارِ مِن قَبلِ أَن تَسري
وَأَكثَرُ ضُرِّ المَرءِ مِن أَهلِ وُدِّهِ
أَلَم تَرَ أَنَّ الخَمرَ مُظهِرَةُ السِرِّ
قَدِمتَ عَلَينا بِالبَشاشَةِ وَالنَدى
فَفَجرٌ إِلى لَيلٍ وَمُزنٌ إِلى قَفرِ
وَوافَيتَ مِن لينِ الخَلائِقِ وَالظُبا
بِأَسهَلَ مِن مُزنِ وَأَخشَنَ مِن صَخرِ
بِجَيشٍ إِذا ما النَقعُ أَبدى حَديدَهُ
حَسِبتَهُمُ قَد نَصَّلوا السُمرَ بِالزُهرِ
تَرى مِنهُ سَدّاً مِن حَديدٍ كَأَنَّما
رَأَيتَ بِهِ في اليَومِ لَيلاً إِذا يَسري
إِذا اِشتَجَرَت راياتُهُم وَتَأَلَّفَت
طُيورٌ إِلَيهِم قُلتَ حَنَّت إِلى وَكرِ
تَجَلّى فَأَجلى وَجهُكَ النَقعَ إِذ بَدا
وَأَحسَنُ نورِ الوَصلِ في ظُلمَةِ الهَجرِ
بِأَضوَأَ مِن بَرقٍ وَأَزيَدَ في السَنا
وَأَهيَبَ مِن سَيفٍ وَأَملَأَ لِلصَدرِ
فَيا حُسنَ سَيفِ الهِندِ في عاتِقِ الهُدى
وَيا حُسنَ تاجِ العَدلِ في مَفرِقِ الأَمرِ
وَحَدَّث بِها بيضَ اللَيالي وَسودَها
بِأَنَّ الوَغى اِنجابَت بِلا البيضِ وَالسُمرِ
وَأَنَّ صُروفَ الدَهرِ أَغرَبَ حُكمُها
فَلا الرَفعُ في زَيدٍ وَلا النَصبُ في عَمرو
وَأَنَّ سِياساتِ العُقولِ عَجيبَةٌ
يَضيقُ بِها المَجرى عَلى العَسكَرِ المَجرِ
وَتُصمي بِلا سَهمٍ وَتَفري بِلا ظُباً
وَتَسري إِلى بَعضِ الرِجالِ وَلا يَدري
إِذا ما خُيولُ النائِباتِ تَراكَضَت
فَهَيهاتَ أَن يُغنى الفَتى الفَوتُ بِالفَرِّ
تَصَرَّفَ صَرفُ الدَهرِ في كُلِّ ما تَرى
سِوى ما بِذاكَ الوَجهِ مِن حِليَةٍ البِشرِ
وَلَم يَستَطِع نَقصاً لَهُ وَزِيادَةً
عَلَيهِ إِذا ما مَنَّ بِالحُلوِ وَالمُرِّ
أَسَيِّدَنا إِن جِئتَ في الدَهرِ آخِراً
فَقَد جاءَ عيدُ الفِطرِ في آخِرِ الشَهرِ
وَتَمَّ لي التَمثيلُ فيما ذَكَرتُهُ
فَقَد جاءَ عيدُ النَحرِ في آخِرِ العَشرِ
وَرَتَّبَتِ الأَقدارُ قَدرَكَ أَوَّلاً
كَما جاءَنا التَرتيبُ في لَيلَةِ القَدرِ
أَتى الفِطرُ فَاِستَقبَلتَهُ مِنكَ بِالنَدى
مَضى الصومُ فَاِستَودَعتَهُ تُحَفَ الأَجرِ
وَمَسَّكتَ فيهِ الصُبحَ بِالعَدلِ وَالتُقى
وَخَلَّقتَ فيهِ اللَيلَ بِالشَفعِ وَالوَترِ
سَتُفني يَدُ الأَيّامِ كُلَّ ذَخيرَةٍ
سِوى ما لَكُم في ذِمَّةِ اللَهِ مِن ذُخرِ
وَإِنّي لَأَعتَدُّ الأَهِلَّةَ إِذ نَمَت
ضُيوفاً لِهَذا البِشرِ عِندَكَ تَستَقري
وَقَلَّمتَ صَرفَ الدَهرِ عَنّا وَقَد رَأَوا
هِلالَهُمُ مِثلَ القُلامَةِ في الظُفرِ
وَكَم جيدِ لَيلِ سِمطُهُ مِن سِماطِهِ
عَلى أَنَّهُ سِمطٌ تَنَظَّمَ لِلنَثرِ
تُضاهونَ بِالأَرضِ السَماءَ لِأَنَّكُم
تُرَونَ بِها أَشباهَ أَنجُمِها الزُهرِ
فَيا عَجَباً رَوضٌ إِلى النارِ يَعتَزي
إِذا ما اِعتَزَت كُلُّ الرِياضِ إِلى القَطرِ
مَوائِدُ مِنهُنَّ البِلادُ مَوائِدٌ
تَضَمَّنَّ ما يعلو عَنِ الحَصرِ وَالحَصرِ
وَلا عَيبَ فيها غَيرَ أَنَّ بَني الدُنيا
قَد اِفتَقَروا لَمّا رَأَوها مِنَ القَفرِ
يَحُجُّ إِلَيها مَن يُجيبُ نِدا النَدى
وَلَكِنَّهُ حَجٌّ يَدومُ بِلا نَفرِ
مَكارِمُ حَدَّثتُ الصَباحَ حَديثَها
وَإِن لَم يَكُن مِن ظُلمَةِ اللَيلِ في سِترِ
وَأَخبارُكُم في طَيِّها وَمَسيرِها
وَتَخليدِها بَينَ البَرِيَّةِ كَالخِضرِ
وَفي كُلِّ أَرضٍ مِن نَداكُم شَواهِدٌ
فَما اِنتَقَلَت عَنهُ الأَحاديثُ بِالشُفرِ
وَلَمّا رَكِبتُم لِلخَليجِ وَكَسرِهِ
عَجِبتُ لِأَن سارَت بُحورٌ إِلى نَهرِ
كَما أَنَّني أَيضاً عَجِبتُ لِأَنَّكُم
بِكَسرٍ جَبَرتُم كُلَّ أَرضٍ مِنَ الكَسرِ
وَجُدتُم فَأَورَدتُم وَجادَ فَلَم نَرِد
لِأَنّا ضِيافٌ لِلسَماحَةِ في قُطرِ
وَقَد جاءَ قَبلَ النَيلِ نَيلُكَ سابِقاً
إِذا النيلُ في شُغلٍ مِنَ المَدِّ وَالجَزرِ
وَكَم لَكَ عِندي مِن أَيادٍ جَميلَةٍ
وَلا عَيبَ فيها غَيرُ عَجزي عَنِ الشُكرِ
فَإِن خَفَّفت قَيدي فَقَد أَثقَلَت ظَهري
وَإِن رَوَّحَت سِرّي فَقَد أَتعَبَت فِكري
تَخَيَّرتِ أَرضي يا سَماءُ فَأَنجَبَت
فَدونَكِ رَبعَ الشُكرِ عَن ذَلِكَ البَذرِ
أَتَحسَبُ أَنّي لِلمَواهِبِ كاتِمٌ
أَما قيلَ إِنَّ الأَرضَ مُخرِجَةُ السِرِّ
وَلَو جَحَدَ الرَوضُ السَحائِبَ قَطرَها
لَأَخجَلَهُ ما فاحَ عَنهُ مِنَ النَشرِ
أيا سامِعاً وَحيَ المُنى مِن عَبيدِهِ
إِذا كانَ داءُ البُخلِ في السَمعِ كَالوَقرِ
تَكَبَّرَ عَن كِبرٍ وَلَكِنَّ عَبدَهُ
بِأَن عَدَّهُ عَبداً تَحَقَّقَ بِالكِبرِ
فَقُل لِلَّيالي قَد وَصَلتُ بِلا سُرىً
وَقُل لِلأَماني قَد وَصَلتُ بِلا صَبرِ
وَحَسبُ الأَماني أَن سُقيتُ بِلا حَياً
وَحَسبُ السُرى أَنّي هُديتُ بِلا فَجرِ
وَبَيَّنَ هَذا الفَضلُ فَضلَكَ لِلوَرى
أَلَم تَرَ أَنَّ الدُرَّ يوجَدُ في الغَمرِ
وَما زِلتَ تَستَعفي العُفاةَ مِنَ الثَنا
فَقَد شُغِلوا بِالشُكرِ عَن طَلَبِ الوَفرِ
كَفَتكَ اللَيالي ما تَخافُ فَإِنَّها
عَلى خَوفِها مِنكُم تَخافُ عَلى الحُرِّ
فَواعَجَباً مِنها وَمِنّا فَإِنَّنا
وَفَينا لَها حيناً عَلى العِلمِ بِالغَدرِ