لِكُلِّ مَوَدَّةٍ أَجرٌ وَأَجري
عَلى وُدّي لَكُم تَضييعُ أَمري
وَأَنّي إِن جَرى ذِكرٌ بِحَفلٍ
دَفَعتُم بِالأَسى في صَدرِ ذِكرى
عَلى هَذا وَفيهِ وَمِنهُ ما لا
يَفي صَبري بِهِ بِأَقَلِّ شُكري
ظَنَنتُكُمُ عَلى دَهري سُيوفاً
فَقَد كُنتُم عَلَيَّ سُيوفَ دَهري
فَكَم دارَت عَلَيَّ كُئوسُ هَمٍّ
كَما دارَت عَلَيَّ كُئوسُ خَمرِ
فَلا تَأخُذ إِذا عَربَدتُ يَوماً
عَلَيكَ إِذا جَنَيت عَلَيَّ سَكري
وَكَم مِن لَيلَةٍ عُكِسَت عَلَينا
فَما كانَت كَما كانَت لِقَدرِ
فَخَيرٌ تِلكُمُ مِن أَلفِ شَهرٍ
وَشَرٌّ هَذِهِ مِن أَلفِ شَهرِ
فَلا تَضرِب لَهُ أَجَلاً بِفَجرٍ
فَقَد مَخِضَت وَما طَرَقَت بِفَجرِ
وَما يَرمي الزَمانُ بِغَيرِ سَهمٍ
وَلا أَلقى السِهامَ بِغَيرِ نَحرِ
عَلى يَبَسٍ كَما أُخبِرتُ لَكِن
غَريقٌ خاطِري في أَلفِ بَحرِ
وَما عَدَّ الغَريقُ المَوجَ فَاِترُك
مُطالَبَتي بِعَدِّ ذُنوبِ دَهري
أَتَطلُبُ بِالبَيانِ غَريقَ بَحرٍ
مَتى طُلِبَ الغَريقُ بِجَلبِ دُرِّ
كَأَنَّ الدَهرَ في تَعذيبِ سِرٍّ
لِما يأتيهِ مِن تَعذيبِ سِرّي
أَقَرَّ اللَهُ يَومَ فِراقِ وَجهي
بِفُرقَتِهِ سَخينَةَ عَينِ مِصرِ
وَما يَجري إِذا ما سِرتَ عَنها
لَعَلَّ النيلَ بَعدَكَ لَيسَ يَجري
وَهَل يَعرى ضُحاها أَو دُجاها
مِنَ النُورَينِ مِن شَمسٍ وَبَدرِ
وَما يَدري الجَهولُ بِقَدرِ نَفعي
وَأَدري أَنَّهُ بَعدي سَيَدري
سَأُصبِحُ بَعدَها في خَيرِ دارٍ
وَيُصبِحُ فَوقَها في شَرِّ قَبرِ
وَلَم أَتَأَلَّ لَكِن لي رَجاءٌ
بِهِ أَرجو كَريمَ المُستَقَرِّ
أَتُنكِرُ إِن نَزَلتُ عَلى كَريمٍ
كَرامَتُهُ لِمُستَقرٍ مُقِرِّ
أَإِخواني وَإِخواناً لِجَهري
أَعُدُّكُم وَأَيُّ أَخٍ لِسِرِّ
ما يَعدوكُمُ خَيرٌ بِخَيرٍ
بِهِ تدلونَ نَحوي أَو بِشَرِّ
وَما أَغلَقتُ عَنكُم كَفَّ يُسري
وَلَم أَكشِف إِلَيكُم وَجهَ عُسري
وَما أَخلَيتُكُم مِن ذِكرِ خَيرٍ
فَلِم تُخلونَ مِنّي خَيرَ ذِكرِ
أَيَنصُرُني عَدُوّي في هَواهُم
عَلى حَربي أَباهُ وَهوَ دَهري
مَعاذَ اللَهِ غَيرُكُمُ لِنَصري
وَلَو شِئتُم لَما قُمتُم بِنَصري
نَعَم أَكفاءُ آمالٍ تجيب
إِذا نادَيتُ واحِدَةً بِعَشرِ
لَهُم إِن أَمكَنَت فُرَصٌ وَفاتَت
عَلى الحالَينِ إِقدامي وَصَبري
فَلا تَجلِب عَلَيَّ بِنَقصِ مالي
فَلَم أَجلِب عَلَيكَ بِنَقصِ عُمري
فَلا سُبُلٌ إِلى البُقيا بِشَخصي
وَلا سُبُلٌ إِلى البُقيا بِذِكري
أَراني اليَومَ أَربَحَ مَن تَراهُ
لِأَنّي أَشتَري عُمراً بِوَفرِ
وَما أَخرَجتُ مِن صُندوق مالي
نَقَلتُ بِهِ إِلى صُندوقِ عُمري
فَمَن هالوا عَلَيهِ ثَرىً فَقيراً
فَقَد هالوا عَلَيَّ ثَرايَ مُثرِ
وَكانَ القَبرُ مِنهُ مَحَطَّ جَنبٍ
وَكانَ القَبرُ مِنّي كيسَ تِبرِ
وَكَم حُفَرٍ مُعَطَّلَةٍ كَبِئرٍ
مُعَطَّلَةٍ وَإِن شيدَت كَقَبرِ
أَلا يا لَيتَ لي أُذناً وَعَيناً
إِذا ما لَيلَتي عَقِمَت بِفَجرِ
إِذا ما اِستَبطَئوا مَن نَفَّذوهُ
وَوَصّوهُ عَلى تَعميقِ حَفرِ
وَوَلَّوني الظُهورَ وَأَفرَدوني
بِمَن وَلَّوهُ تَجهيزي وَطُهري
قَليلٌ ما أُزَوِّدُ مِن ثيابي
قَليلٌ ما يُقيمُ بِهِنَّ عِطري
وَساروا بي إِلى سِجنِ اللَيالي
أَسيرٌ لا يُؤَمِّلُ فَكَّ أَسرِ
أَلا يا حامِلي بادِر فَإِنّي
غَريبٌ بَينَهُم في مُستَقَرّي
وَقَد كَذَبَت عُيونٌ ثَمَّ تَبكي
وَقَد كَذَبَت عُيونٌ ثَمَّ تَجري
يُضَيِّقُ صَدرُهُم مِنّي فَسيحاً
وَلَو أَدرَكتُ ذَلِكَ ضاقَ صَدري
دَعو ذاكَ الحَبيبَ لَقىً كَسيراً
تَمامَ نَهارِهِ مُلقىً بِكَسرِ
فَآخِرُ أَمرِهِ أَن يُخرِجوهُ
وَذَلِكَ فيهِ آخِرُ كُلِّ أَمرِ
فَجَرّوني وَلَيسَ بِيَ اِمتِناعٌ
وَلَولا المَوتُ أَعيا حَرفُ جَرِّ
وَخاضَ حَزينُهُم في حَوزِ إِرثي
وَجَدَّ وَصولُهُم في قَطعِ إِثري
فَإِن يَكُ في المُقامِ هُناكَ دينٌ
فَإِنَّ الهَمَّ يَقبَلُ فيهِ عُذري
وَقُل لِمُوَدِّعِيَّ تَحَمَّلوا بي
فَلا يَصعُب عَلَيكُم صَعبُ أَمري
مُقامي ساعَةً إِن أَضجَرَتكُم
فَإِنَّ وَراءَها تَفريقَ دَهرِ
سَأَخرُجُ مِن صَديقي مِن عِيانٍ
وَمِن سَمعٍ وَمِن نُطقٍ وَفِكرِ
وَيوحِشُ ناظِري مِن مَوتِ شَخصي
وَيوحِشُ مسمَعي مِن مَوتِ ذِكري
سَقاني القَطرُ إِنّي صِرتُ قَفراً
بِلا روحٍ وَمَهجوراً بِقَفرِ
فَلَو جَلَبوا بِجَبري كَسرَ عَظمٍ
لَما طالَبتُهُم فيهِ بِجَبرِ
وَصارَ الوَفرُ وَفرَهُمُ هَنيئاً
وَكانَ الوَفرُ لَما كُنتُ وَفري
أَلا يا رَبِّ بارِك في غِناهُم
وَلا تَجعَلهُ مُقتَضِياً لِفَقري
وَلا تُكثِر فَإِنَّ القَطرَ يَعفو
وَلا تُضعِف فَإِنَّ الريحَ يُذري
وَلا تُروِ السَماءُ القُطرَ عَنّي
فَما بَخِلَت سَماءُ يَدي بِقَطرِ
مُقيماً تَحتَ لَيلٍ لَيسَ يَسري
بِهِ النَجمُ الَّذي في المَيلِ يَسري
يَهابُ الطَيفُ مَسراهُ إِلَيهِ
وَيَعثُرُ بَينَ صُفّاحٍ وَصَخرِ
فَإِن فَرِحوا لِتَركِهِمُ بِخَيرٍ
فَوا حَزَني لِتَركِهِمُ بِشَرِّ
فَقامَ بِهِم لِأُسرَتِهِ المُعَزّي
وَقامَ لَهُ بِغَسلَتِهِ المُعَرّي
أَسُكّانَ القُصورِ لَئِن قُطِعتُم
فَقَد قُطِّعتُ مِن سُكّانِ قَصري
وَما يَبقى لِمَيتٍ عِندَ حَيٍّ
سِوى تَسليمَةٍ وُصِلَت بِهَجرِ
يَمُرُّ عَلَيهِ بِالذِكرى قَليلاً
وَيُضجِرُ فِكرَهُ فَيَقولُ مُرّي
أَلا مُرّوا إِلى الذِكرى فَإِنّي
وَإِن خَفَّ التَرابُ غَريقُ بَحرِ
وَلَو عَينُ الشَفيقِ بَدَت لِوَجهي
لَفاضَت أَدمُعاً إِذ غاضَ بِشري
وَكَم طَمِعَ الفَتى في غَيرِ كُنهٍ
وَعُرَّ لِصَحبِهِ مِن غَيرِ عُرِّ
أَيَشكو العَيشُ مِن قَومٍ عُقوقاً
وَيَرجو المَوتَ مِنهُم فَضلَ بِرِّ
فَلَيتَهُمُ إِذا ما مَرَّ ذِكري
عَفَوا عَنّي فَبَعضُ القَومِ مُرّي
وَقولوا ما أَرَدتُم أَن تَقولوا
فَلَيسَ القَولُ مِن اَمني وَذُعري
خُذو حَذَراً مِنَ الأَيّامِ إِنّي
أَخَذتُ وَما أَفادَ الأَخذُ حِذري
وَإِن يَتَوَرَّعوا عَن نَحتِ ذِكري
فَتَحتَ الجَنبِ مِنّي أَيُّ وَعرِ
ثِقوا بِإِجابَتي يا أَهلَ وُدّي
يَكونُ السَمعُ ذا وَقرٍ بِوَقرِ
وَأَنَّ اللَهَ يَسمَعُكُم جَميعاً
وَأَنَّ الكاتِبينَ عَلَيَّ تَجري
فَإِن قُلتُم مِنَ الأَقوالِ حُرّاً
فَقَد يُثنى عَلى حُرٍّ بِحُرِّ
وَإِنَّ عَقائِلَ الأَعراضِ تُمسي
إِذا سَكَنَت ثَراها تَحتَ خِدرِ
وَقَذفُ المُحصَناتِ كَما عَلِمتُم
وَيَومُ الحَشرِ لَيسَ بِيَومِ هَذرِ
فَلا تَحشُر بِقَبرِكَ غَيرَ ما قَد
يَسُرُّكَ أَن تَراهُ يَومَ حَشرِ
إِلَهي لا تُعَذِبني فَإِنّي
مُقِرٌّ وَالتَجاوُزُ عَن مُقِرِّ
أَقِل يَومَ الصِراطِ عِثارَ خَطوي
فَإِنّي مُثقَلٌ مِن حَملِ وِزري
بِخِفَّةِ مَنطِقي في الذِكرِ خَفِّف
إِذا الداعي دَعاني ثِقلَ ظَهري