تفكّرت في كنه الحياة فلم أكن
لأزداد إلاّ حيرةً في تفكري
وكم بتّ فيها أخبط الليل رامياً
إليها بلحظ الطارق المتنوّر
فلا أهتدي من أمرها لمقدّم
ولا أنتهى من أمرها لمؤخّر
على أنني مهما تقدّمت نحوها
رجعت رجوع الناكص المتقهقر
وهبها كما قد قيل أحلام نائم
أما في بني الدنيا لها من معبّر
تأمّلت آثار الحياة فلم يلح
لعينيّ منها وجه ذاك المؤثّر
سوى أنني آنست شعلة قابس
توقّد في مستن هو جاء صرصر
فبينا سناها يبهج العين لامعاً
أتته كقطع الليل هبوة معصر
فما هي إلا خبوةٌ ترتمي بها
إلى ظلمات صبحها غير مسفر
كذلك محيي الدين إذ غاله الردى
فأطفأ منه نيًرا أيّ نيّر
عليك العفا بيروت هل لك بعدما
قضى فيك محيي الدين من متصبّر
فتىً كان ركناً فيك للعلم والحجا
وغرّ القوافي والكلام المحبّر
فقدنا به صلت الجبين مهذّباً
كريم سجايا النفس عفّ المؤزّز
لقد عاش شيخاً في العلوم مقدّماً
فما ضرّه أن مات غير معمّر
وما مات من أبقى له طيّب الثنا
لدى الناس من بادٍ ومن متحضر
نعاه لي الناعي فكان كأنه
لدى نعيه أهوى إليّ بخنجر
ولو لم يكن شدّي الحيازيم دونه
خررت كما خرّ الصريع لمنخر
خليليّ عوجا بي على قبر ماجد
بيروت يحوي كل فضل ومفخر
قفا نحتقر دمع العيون تجلّةً
لمن فيه من ذاك الجليل الموقّر
ونتدب في ملحوده المجد والعلا
ونسقيه غيث الدمع من كل محجر
عسانا بذا نقضي له بعض حقّه
وإن جلّ أن يقضى بدمع محقر