رمتني بلحظ واتقتني بمعصم

التفعيلة : البحر الطويل

رَمتْني بلَحْظٍ واتَّقتْني بمِعْصَمِ

وهل تِلك إلاّ فتكةٌ بالمُتيَّمِ

ولم أَر فيما عشْتُ لا مثْلَ جُنّةٍ

سَبتْني بها سَلْمَى ولا مثْلَ أسهُم

ولا سائفاً يوماً بعَيْنٍ كحيلةٍ

ولا تارساً يوماً بغَيْلٍ مُوشَّم

سلاحُ هوىً لم تَنْتشِبْ وقَعاتُه

فأَجلَيْنَ إلاّ عن مَصارعِ مُغْرَم

ولا مثْلَ يومٍ للوَداعِ شَهِدْتُه

فحاملْتُ لمّا أنْ تَضايقَ مَقْدَمي

وقد خلَصتْ فيه نَجيّاً عيونُنا

فما غادرَتْ في القَولِ من مُتردَّم

عشِيّةَ صَانَعْنا الرّقيبَ بصَمْتِنا

وقُلنا لألحاظِ العيونِ تَكلَّمي

وما كان إلاّ خطْفَ قلبٍ بنَظْرةٍ

إجابةُ سَلْمَى للمُحِبِّ المُسلِّم

أأرجو شِفائي أنْ يكونَ بكفِّها

وقد أصبَحتْ مخضوبةَ العَشْر من دمي

فلو كان ثأْري في قبائلِ تَكْتُمٍ

لَهانَ ولكنْ في أنامل تَكْتُم

ولو شهِدَتْ فُرسانُ قَومي لأَوْقروا

قَرا الأرضِ دُوني بالقَنا المُتحَطِّم

فلا تَسألاني عن دَمٍ قد وَهبْتُه

فما القتلُ في دينِ الهوى بمُحرَّم

أطاحَ دمي ما سُلَّ عن جَفْنِ شادنٍ

فلا عاد لا ما سُلَّ عن جَفْنِ ضْيغم

تَحكَّمَ في أرواحنا سَيْفُ عَيْنها

ومَن حَكّمتْه دَولةٌ يتَحكَّم

كفَى حزَناً ألاّ أرى ليَ عاذلاً

من النّاسِ في وَجْدي وإنْ لم أكتِّم

فما مِنْ خليٍّ أحضَرَ القلْبَ ذِكْرَها

لِيَعذُلَني فيها فلم يتَتيَّم

لقد شَغلَتْ كُلاًّ عنِ العَذْلِ بالهَوى

فيا مَنْ رأَى حُبّاً بلا لَوْمِ لُوَّم

مُنىً كُنَّ لي أنْ أَسلُبَ الغُمْضَ غَيْرةً

على طَيْفها من كُلِّ جَفْنٍ مُهَوَّم

وليس الكَرى سِلْماً لعَيْنِ أخي هوىً

فما ليَ إلاّ فكْرةُ المُتَوهِّم

نظرتُ وطَرْفُ الصّبِّ أصدْقُ رائدٍ

إلى مُنحنَي الوادى غداةَ الأُنَيْعِم

فلم أَر فيما نوَّر الرَّوضُ فاتَني

سوى أُقحُوانٍ في شقيقٍ مُكمَّم

يُفتِّقُه دَلُّ الصَّبا بتَبَسُّمٍ

إذا افترَّ لا ريحُ الصَّبا بتَنَسُّم

فهل ثَغْرُ لَيْلَى عن سَنا البرقِ لامعاً

تَبسّمَ أو عن سِلْكِ عِقْدٍ مُنظَّم

نعَمْ أَهدتِ البُشْرَى بعَوْدِكَ سالماً

فأَضْحَتْ بدُرٌ وهْيَ مملوءةُ الفَم

طلَعْتَ معَ العلياءِ أسْعدَ طَلعةٍ

وأَقْدمَكَ الإقبالُ أيمنَ مَقْدَم

وللنّاسِ إهْلالٌ بوَجْهِكَ طالعاً

لتَعْبيدِ آمالٍ عنِ الخَلْقِ صُوَّم

أشمسَ المعالي دعوةً مَنْ دَعا بِها

غدا مُشمِساً من أرضِه كُلُّ مُغْيِم

سَمِعْتُ قديماً أَنّ يُوشَعَ قد دَعا

فَرُدَّتْ عليهِ الشَّمسُ بعْدَ تَصرُّم

ولكنْ رأَى ذاكَ الَّذي سَمِعوا به

بأَعينِهمْ قومٌ رُدِدْتَ عليهِم

فللّهِ يومٌ قد تلقّاكَ يُمْنُه

وأفناءُ ناسٍ من فصيحٍ وأَعْجَم

يَشِيمونَ من جُودٍ سَحاباً مُطبِّقاً

أتاهمْ به غادي نَسيمٍ مُجَسَّم

منَ الجُرْدِ لمّا سابقَ البرقَ خِلْتَهُ

أبى أن يُعَدَّ البرقُ كُفؤَ المُطَهَّم

فأقسمَ لا جاراهُ غيرَ مُشكَّلٍ

بفَضْلِ سناً منه وغيرَ مُلطَّم

وفارسُه قد ناطَ منه عِنانَه

بيُسرَى يدَيْ وَبْلٍ من الجوَّ مُثجِم

وقد ضمَّهُ والصَّحبَ لمّا تَسايروا

من النَّقْعِ ليلٌ ذو هلال وأنجم

وقد رَكبتْ بيضُ السُّيوفِ وراءه

تُواكِبُه من كلِّ أبيضَ مِخْذَم

مُحَلّىً كَلبّاتِ الغواني غُمودُها

وقد أُودِعَتْ مَرْهوبَ سرَّ مُكتَّم

وهُنَّ بأَيدي غلمةٍ يُشْبِهُونها

صِقالَ خدودٍ أو بريقَ تَبَسُّم

مُقلَّدةً تُجْلَى على كلِّ ناظرٍ

سوَالفُها في حَلْيِها المُترَنِّم

قياماً على هاماتِها فَرْطَ طاعةٍ

لأبلجَ مَغْثى الرِّواقَيْنِ خِضْرِم

وما إنْ رأَينا المشْرفىَّ مُشرَّفاً

سوى اليوم عند النّاظرِ المُتفهِّم

عطايا سلاطينِ الزّمانِ تتابعَتْ

تَرى أَحْدَثاً منها على إثْرِ أَقْدم

يُخبِّرْنَ أنّ المُلكَ للدّينِ تابعٌ

فإنْ كنتَ لم تعلمْ بذا السِّرِّ فاعْلَم

وفي إثْرِه زَوْجا رماحٍ تَصاحبا

وسارا معاً من كلِّ لَدْنٍ مُقوَّم

لَموعانِ مثْلَ الكوكبَيْنِ تقارَنا

بلَيلٍ أثارتْهُ السَّنابِكُ أَقْتَم

تَخالُ عيونُ النّاظرِينَ إليْهما

شهابَيْنِ كُلٌّ كالحريقِ المُضَرَّم

وليسا سوى السَّعدَينِ أمّا فِناءهُ

مَشوقَينِ لمّا كان خيْرَ مُيمَّم

فَحلاّ وسارا خِدْمةً في ركابِه

ومَنْ يهَبِ العَلياءَ يُقْصَدْ ويُخْدَم

ترَى كُلَّ سَعْدٍ حينَ أبدَى انْتِماءهُ

إلى واحدِ الدُّنيا أبيهِ المُكرَّم

أُتيحَ له قَدٌّ مُعارٌ منَ القَنا

ليهْتزَّ تِيهاً عِطْفُه حين يَنْتمي

وكلٌّ وإنْ وافَى ضُحىً وهْو كوكبٌ

أضاء لعَيْن النّاظرِ المُتَوسِّم

وأصبحَ في ثوبٍ عليهِ مُزرَّرٍ

من اللّيلِ إلاّ أنّه غيرُ مُظلِم

شِعارُ هدىً ما إنْ يَزالُ سوادُه

يُريكَ بياضَ النّصرِ في كُلِّ مَوْسِم

فبُوركتَ من طَودٍ على الدِّينِ ظِلُّه

وبَحرٍ منَ الإفضالِ والفَضْلِ مُفْعَم

نَدي الكفِّ طَلْقِ الوجهِ يَمطُرُ دائماً

سَماءُ النّدى منه بغيرِ تَغيُّم

كأنّ طريقَ الوفْدِ نحْوَ فِنائه

تَغيُّبُ سِلْكٍ في جُمانٍ مُنظَّم

فتىً رأيُه للمُلْكِ أمنَعُ مَعْقِلٍ

وأبوابُه للعلمِ أشْرفُ مَعلَم

وهل يَفْخَرُ الإسلامُ إلاّ بزَيْنه

ويَسْفِرُ للأقوامِ بعْدَ تَلَثُّم

فشِمْ ذِكْرَه سَيْفاً على الدَّهرِ مُصْلَتاً

ورُعْ باسمِه جيشَ المُلِمّاتِ يُهْزَم

مُقبَلُ آثارِ البَنانِ جَلالةً

إذا رقَمَ القرطاسَ مَشْقاً بأَرقَم

وأقضَى قضاةِ الشّرقِ والغربِ كُلِّهمْ

فخاصِمْ به لُدَّ الحوادثِ تَخْصِم

وِلاياتُهمْ طُرّاً إليه وعَقْدُها

وآلاؤه تَتْرَى تُساقُ إلَيْهِم

وهل تَنقُصُ الشّمسُ المُنيرةُ في الضُحى

لنُورٍ على الآفاقِ منها مُقَسِّم

له هِمّةٌ تَستَصْغِرُ الأرضَ عنْدَها

إذا أخذَتْ في قُنّةِ المجدِ تَسْتَمي

فلو نيطَ أيضاً بالبسيطةِ مثْلُها

وقيل له احكُمْ في الجميعِ وأحْكِم

لأعملَ في تَهذيبِها بعضَ نظْرةٍ

وقال متى تُوصَلْ بأُخْرَى أُتمِّم

فللّهِ سِرٌّ وهْو من عزَماتهِ

ومن رأيهِ في مثلِ جَيْشٍ عرَمرَم

مُطِلٌّ على الآفاقِ يَرعَى قَصيِّها

فيَغْدو لديهِ مُنْجِدٌ مثْلَ مُتّهِم

وللشَّمسِ عَينٌ يملأ الأرضَ نورُها

وإن كان فذّاً جِرمُها غيرَ تَوْأم

أيا غُرّةً بيضاءَ زانَ مكانَها

ولولاه كان النّاسُ جِلْدةَ أَدْهَم

فعُرْبُ الورَى كاللّفظِ ليس بمُعْرَب

وعُجْمُ الورَى كاللّفظِ ليس بمُعْجَم

لك الخَيرُ أنعِمْ نظْرةً في مطالبي

فأنت إذا قيسَ الوَرى خَيرُ مُنْعِم

ولستُ إذا عُدَّ المُوالونَ عندَهُ

ضعيفَ الدَّواعي أو طريفَ التّحرُّم

حكَيتُ كنيّي معْ سَمِيّكَ خِدْمةً

شَرُفْتُ بماضي عهدِها المتُقدِّم

ومَن كان يومَ الغارِ من أهلِ صُحبةٍ

فلا يَخْلُ يومَ الفَتْح من نَيْلِ مَغْنَم

وما طلَبي إلاّ برؤْياكَ رَقْيةً

إلى هَضْبةٍ للعزِّ لم تُتَسنَّم

وما راعني إلاّ قِراعُ نوائبٍ

ثناني كغَرْبِ الصّارمِ المُتَثلِّم

ولي سَنةٌ من بَعْدِ أُخرَى أَقَمتُها

أُمارسُ من أهوالها كُلَّ مُعْظَم

فإنْ كنتَ من دَرِّ الحوادثِ مُرْضِعي

فقدَ كمُلَ الحَولانِ يا دهرُ فافْطِم

ودُونكَ بِكراً أقبلَتْ من بدائعي

تبَختَرُ في وَشْيِ الكتابِ المُنَمَنْم

من المُطمِعاتِ المُوئساتِ شَوارداً

متى ما يَرُمْ أمثالَها الفَحْلُ يُكْعَم

فلو جُسِّمَتْ يوماً لكانتْ كواكباً

من الحُسْنِ إلاّ أنّها لم تُجَسَّم

سبَقْتُ الأُلَى قَبلي بشِعرٍ أقولُه

ولاحُ به في جبْهةِ الدّهرِ مِيسَمي

كأنّيَ في أثناءِ ما خَطَّ كاتبٌ

مُؤخَّرُ سَطرٍ سابقٍ للمُقَدَّم

فخُذْها تُحاكي نظْمَ عِقْدٍ مُفَصَّل

يُناسِبُها أو نَسْجَ بُردٍ مُسهَّم

ودُمْ كثناءِ النّاسِ فيكَ مُخلَّداً

فلا شيءَ في الأيّامِ منه بأَدْوَم

وما المجدُ إلاّ ذِروةٌ فترقَّها

وما الحمْدُ إلاّ فُرصةٌ فتَغنَّم

وما المالُ إلاّ ورْدةٌ إن حمَيْتَها

قِطافاً من الأيدي تَناثَرْ وتُعْدَم

مَعاني النَّدى من عندِ كفِّكَ كلُّها

وللسُّحبِ إن جادَتْ لسانُ مُترجِم

وسُمْرُ القنا لمّا رأتْكَ تَقوَّمَتْ

ولولا اتِّقاءٌ منكَ لم تَتقَوَّم

فعِشْ وابْقَ للدّينِ الحنيفِ ونَصْرهِ

بسَيْفٍ من الرَّأيِ الحنيفيّ واسْلَم

وللفَضْلِ ما تَنفكُّ تُعنَى بأهلِه

عنايةَ مِفْضال كثيرِ التَكَرُّم

سما بكَ فوقَ النَّجمِ أدْنَى منازلٍ

فجُدْني فإنّ السُّحبَ تحت مُخَيَّمي


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ألحظ في جفونك أم صوارم

المنشور التالي

إن قصرت بي عن الأغراض أيامي

اقرأ أيضاً