بلى جرّ أذيالَ الصِّبَا وتصابَى
وأوجفَ خيلاً في الهوى ورِكابا
وهزّ قناةً تحت برديْه لدنةً
تلينُ وتندى نضرةً وشبابا
وجاوَلَهُ قِدْح الهوى إذ أجالَهُ
من الرّبربِ الساجي العيونِ وثابا
قطعتُ زماني بالشَّمول مُسِنّةً
وبالروضِ كهلاً والفتاةِ كعابا
وكنتُ أعيبُ اللهوَ فيها ولا أرى
عليّ هواها في التعفف عابا
وأركبُ عزّاً صهوتي وهي مهرةٌ
أُساور منها بالشبابِ شبابا
وغيْداءَ رُؤدٍ قادني نحوها هوىً
تنسّمتُ منهُ في الهواء ملابا
مضيِّعَةٍ للطّيبِ تحسبُ أنّها
تُطَيّبُ من مسك التريب ترابا
وما صابني إلا مريجٌ بضربةٍ
تكون سؤالاً للرّضى وجوابا
فبتّ كسرٍّ في حشا الليل داخلٍ
على حبّة القلب المَصون حجابا
كأنّ الدّجى من طوله كان جامداً
فلّما تنازعنا التحية ذابا
فقلْ في ظلامٍ طالَ ثم بدا له
فقد أبْصَرَت منهُ العيونُ عُجابا
كأنّي بشطرٍ منه ثوّرت باركاً
كسيراً وشطراً قد أطرتُ غرابا
رعيتُ الصّبا حتى ذوى وَرقُ الصِّبا
ولم يُبْقِ في عمري المشيبُ شبابا
وحتى اغتدَى زَنْدي شحاحاً بقادحٍ
وأضحى جناحي في النّهوض ذُبابا
وقاطعِ أجوازِ الفيافي مُرَوّعٍ
بدَهرٍ رماه بالخُطوبِ وَرابا
يناجي بها في الليل سيداً عملّساً
ويَصحَب هَيْقا بالنّهار وجابا
بريحٍ جنوحِ الرحل يُمْسي هبوبها
نجاءً لها ملءَ الدجى وهَبابا
أبنتَ الجديلَ القاطعِ البيد جدّ لي
سباسبَ من غَوْلِ الفلا وظرابا
إذا ما النّوى ألقتْ عَصايَ محبّةً
تجنّب ليَ صرفُ الزمان جنابا
وسُرْبِلْتُ إحساناً من الحسَنِ الذي
هَمَى الجودُ من كلتا يديه وطابا
هو الملكُ الحامي الهُدى من ضلالةٍ
ففلّ لها ظفراً وهَتّمَ نابا
غدا كعبهُ في كفّة الملك عالياً
ومُلّكَ من أهل الزّمان رقابا
وأضحى لقومٍ مذعنينَ بعدلهِ
نعيماً وقومٍ مجرمين عذابا
إذا عُدّتِ الأحسابُ عُدّ نجارُهُ
له حسباً بين الملوك لبابا
توَقّدَ إقداماً وفاض سماحةً
وهُذّبَ أخلاقاً وطاب نصابا
من السادة الغُرّ الألى ملكوا الورى
وأعطاهمُ الدّهرُ الأبِيُّ جنابا
غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُمْ
تكونُ لهم شمُ الجبال هضابا
إذا غضِبوا للَّه أرضاكَ فَتكهُمْ
وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غِضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحربِ صَيّروا
عواملهم في الدّارِعينَ حِرابا
وتَحسَبهم تَحتَ السَوابِغ والقَنا
ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا
مفيدٌ مبيدٌ في سبيليه جاعلٌ
مذاقة شهدٍ للأَنامِ وصَابا
كأنّ زماناً تائباً من ذنوبهِ
رَأَى عَدلَه أَو خافَ منهُ فَتابا
إِذا مَنعَ الأَملاكُ نائِلَهُمْ سخا
وإنْ أخْطَؤوا وجهَ الصّوابِ أصابا
كثيرُ وفودِ القصْدِ لم تكفِ دجلةٌ
بِسَاحَتِهِ لِلآكِلينَ شَرابا
تُفيضُ العَطايا بالأَماني يَمينُهُ
فَتَحسِب فيهِنّ البحورَ ثغابا
وجيشٍ تخالُ الشَدْوَ في جنَبَاته
إِذا صَاهَلتْ فيه العِرابُ عرابا
إذا أسفرتْ من نقعهِ الشهب في دجىً
رَأَيت لوَجهِ الشمسِ منهُ نِقابا
تحطّمُ مُرّانَ الرّماحِ كماتُهُ
طعاناً وأوراقَ الصِفاح ضرابا
وتحسبُ أنهاءً مُلئْنَ عليهمُ
حَبائكَ من نَسجِ الصّبا وحبابا
أرونيَ منكم راجياً رَدّ قاصداً
إلى قصده وجه الرّجاءِ فخابا
ولا تعتبوهُ في الشفاعة والنّدى
فلن تجعلوا نقلَ الطباعِ عتابا
ولو خضبَ الأيدي نداهُ رأيتمُ
لكلّ يدٍ بالتّبرِ منْه خضابا
يردّ لِسانُ العضبِ عندَ سُكوتِه
إِلى هامَةِ المِقدامِ عنه خِطابا
فيا ابن عليّ أنت شبلٌ حَمَى الهدى
وأنبتَ حوليه الذوابلَ غابا
جَعَلت نيوبَ الثّغرِ زُرْقَ أسِنّةٍ
فَلَم تَجنِ زرقُ الرّوم مِنهُ رضابا
ولَو نَظَم الديماسُ مَنثورَ هامِهم
لَقلّدَ جيدَ القَصرِ منهُ سَخابا
فَلِلدينِ عيدانٌ منَ النبع جُرّبَتْ
بِعَجْمٍ فألفاها الصليبُ صِلابا
طلعتَ لَنا بدراً شموسَ طلاقةٍ
تلفّ عَلَيها راحَتاهُ سَحابا
فحالفك النّصرُ العزيزُ الّذي به
تغادرُ آسادَ الحُروبِ ذِئابا
ولا زلتَ عيداً للورى غيرَ ذاهبٍ
إذا العيدُ ولّى بالزمانِ ذهابا