صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ
ولا زلتَ تسمو بين بدرٍ وكوكَبِ
تُدبّرُ أمرَ المُلكِ غيرَ مُعنَّفٍ
وتُؤثرُ أمرَ اللَّهِ غيرَ مؤنَّبِ
وتَجبي إلى السلطان أوفى خَراجِهِ
وتكسبُ حمدَ الناسِ من خيرِ مكسَبِ
أحين أَسرتُ الدهرَ بعد عُتوّهِ
وفلَّلتُ منه كلَّ نابٍ ومخلبِ
فأصبحتُ مَكفيّاً همُومي مُزايلاً
غمومي مُوقّىً كُلَّ سوءٍ ومَعطبِ
ولم يبقَ لي إلا تمنِّي بقائِهِ
على الدهرِ ما أرستْ قواعدُ كبكبِ
تهضّمُني أنثى وتَغصِبُ جَهرةً
عَقارى وفي هاتيك أعجبُ مَعْجبِ
لقد أَذكرتْني لامرىءِ القيس قولَه
فإنك لم يَغْلبك مثلُ مُغلَّبِ
وما قَهْرُ أنثى قِرنَ جِدٍّ ولم تكن
لتقهر إلا قِرنَ هزل وملعبِ
عرفنا لها غَصْبَ الغَرير حُقوقَهُ
فما غضبُها حقَّ الحكيم المُدرّبِ
لها كلُّ سلطانٍ على قلبِ أمردٍ
ولم تعطُ سلطاناً على قلب أشيبِ
إليكم شكاتي آل وهب ولم تكن
لتَصمِدَ إلا للوزير المهذَّبِ
لعمري لقد أَعتطيتُمُ العدل حقَّهُ
فلا يتجاوزْهُ ولا يتعتّبِ
له أن يَذُبَّ الليثَ عن ظلم ثعلبٍ
وليس له إذلالُ ليثٍ لثعلبِ
أجِرْني وزيرَ الدين والملك إنني
إليك بحقي هاربٌ كلّ مَهْربِ
توثّبَ خصمٌ واهنُ الركن والقُوى
على أيِّدِ الأركان لم يتَوثّبِ
هو النُّكرُ من وجهين غَصبٌ وبدعةٌ
وفي النكر من وجهين موضعُ مَعْتبِ
وكم غَضبتْ للحقّ منك سجيةٌ
تؤدّب بالتنكير من لم يُؤدَّبِ
فلا تسلمَنّي للأعادي وقولهم
ألا من رأى صقراً فريسةَ أرنبِ
أريد ارتجاعَ الدار لي كيف خَيَّلتْ
بِحُكمٍ مُمِرٍّ أو بلطفٍ مُسبَّبِ
وإن انتزاعَ الحقّ من كفّ غاصبٍ
وقد نَشَبتْ أظفارُهُ كلَّ مَنْشبِ
لَخُطَّةُ فَصلٍ من سديدٍ قضاؤُهُ
وخُطَّةُ فضلٍ من كريمِ المُرَكَّبِ
وإن انتظامَ الفصلِ والفضلِ في يدٍ
لشيءٌ إلى السادات جِدُّ مُحبَّبِ
فرأيك في تيسير أمري بعَزْمةٍ
كوقعةِ مسنونِ الغرارين مِقْضَبِ
وتاللَّه لا أرضى بردّ ظُلامتي
إلى أن أرى لي ألفَ عبدٍ ومركَبِ
وقد ساءني أَنِّي مُحبٌّ مُقرَّبٌ
وأَنْ ليس لي إذنُ المحبّ المقرَّبِ
فماليَ في قلبِ الوزير مُرتَّباً
وفي داره حيرانَ غيرَ مرتّبِ
ولا بد لي من رتبةٍ تُرغمُ العدا
وتسهيل إذنٍ بين أهل ومَرْحبِ
ولو لم أؤملْ منك ذاك وضِعْفهُ
ذهبتُ من التأميل في غير مذهَبِ
فلا ينكرنّ المنكرون تسحّبي
فلولا الجَنابُ السّهلُ لم أتسحَّبِ
أتيتُكَ لم أقصِدْ إلى غير مَقصِدٍ
بأمري ولم أرغبْ إلى غير مَرغَبِ
ولي منك آمالٌ عريضٌ مُرادُها
وواللَّهِ لا كانتْ مطامعَ أشعبِ
فإن أنتَ صدَّقت الرجاءَ ببُغيتي
فكم من رجاءٍ فيك غيرِ مكذَّبِ
وقد صدّق اللَّهُ الرجاءَ وإنما
طلبتُ مزيدَ الخيرِ من خيرِ مَطْلبِ
وعِشْ عيشَ مغشيِّ الفِناءِ محجَّبٍ
جَدا كفِّه في الناس غيرُ محجَّبِ