أحباءَنا ما كان لي عنكُمُ صبرُ
وهل لِصبورٍ عن أحبَّتِه عذرُ
فيا ليتَ شِعري عنكُمُ كيف كنتُمُ
وكيف التي من وجهها يطلعُ البدر
ومَن نشرها مِسْكٌ وألحاظها سحرُ
ومَبسِمُها درٌّ وريقتها خمر
وقد زَعَمتْ ألّا تزالَ كعهِدنا
وإن طال بي غَيْب وطال بها العُمْر
وإني لأخشى والزمانُ مُغيِّرٌ
على النأْي يوماً أن يميل بها الغدر
وكيف بمُشتاقٍ تضمَن جسمَه
على شوقِه مِصرٌ ومُهجَتَه مِصْر
أقام لحرب الزَنج في دار غربة
حوادثُها في أهلها القتل والأسر
ومن دونه هولٌ ومن تحته ردىً
ومن فوقه سيفٌ ومن تحته بحر
إذا شام برقاً لاح من نحو أرضه
تَضايقَ عما ضَمَّ من وَجدِه الصبر
وبَلَّتْ دماً مِنْ بعد دمع رداءه
لدى خلوات منه أجفانُه الغُزر
وإن رام من حَدِّ البطيحة مَطلعاً
ثَنَتْ شأوَهُ عنه المواصير والجِسر
كفى حزناً أن المُقِلَّ مُشَرَّدٌ
وذو الخفض في أحبابه مَن له وَفر
إذا كان مالي لا يقوم بهمَّتي
سماحاً وإن أوفَى على عُسرتي اليُسر
ففيمَ اجتهادي في محاولة الغنى
وما للغنى عند الجواد به قَدْر
يفوز بجمع المال من كان باخلاً
وما ليَ إلا الحمدُ من ذاك والشكر
وما أنا إلا محرزُ المجد والعلا
وذلك كَنزي لا اللُجَيْنُ ولا التبر
فإن يقض لي اللَهُ الرجوعَ فإنه
علَيَّ له أن لا أفارقَكُمْ نذر
ولا أبتغي عنكم شُخوصاً وفُرقةً
يَدَ الدهر إلا أن يُفرِّقَنا الدهر
فما العيش إلا قربُ من أنت آلِفٌ
وما الموتُ إلا نأيُهُ عنكَ والهجر