تصبر وإن لم تملك الصبر فاجزع

التفعيلة : البحر الطويل

تصبَّر وَإِن لَم تَملكِ الصَبرَ فَاِجزَعِ

فَما أَغفل الأَقدار عَن صَوبِ مَدمعِ

يَهمُّ اللَيالي ما تَثيرُ وَقَلَّما

تَهمُّ اللَيالي لَوعةَ المتفجِّعِ

تَضيعُ لَدَيها كُلِّ نَفسٍ فَهَل تَرى

يَبيتُ لَدَيها الدَمعُ غَيرَ مَضيَّعِ

شَجانيَ إِنَّ الدَهرَ لَيسَ بِراحمٍ

وَأَنيَ ذُو قَلبٍ شَديدٍ التَوَجُّعِ

وَإِن الَّذي أَشكوهُ لا لُبَّ عِندَهُ

يَقلّبُ أَهل اللُبِّ في كُلِّ مَصرَعِ

فَوا حَرَباً مِن حُكمِهِ وَهوَ جائرٌ

وَصَبري وَما صَبري لَدَيَّ بِطيّعِ

وَلي كُلّ يَوم ما يَروعُ فَكَيفَ لا

يَذوبُ فُؤادي لَهفَةً بَينَ أَضلُعي

نَعى البَدرَ ناعيهِ عَشيةَ فَجعَةٍ

فَيا لَهْفَ اَجفانٍ وَيا لَهفَ مَسمَعِ

وَيا ذوبَ أَكبادٍ تَسيلُ كآبةً

عَلى جَمرِ حُزنٍ حَيثُما مسَّ يَلذَعِ

تَدارَكَهُ قَبلَ التَمامِ مَحاقُهُ

مُبادرةً مِن حَيثُ لَم يَتَوقَّعِ

فَقَطَّعَ أَحشاءً وَواصلَ أَدمُعَاً

وَضيََّع مِن آمالِنا كُلَّ مَطمَعِ

وَساءَ أَباً ما ساءَ قَلباً فَأَصبَحَت

لَهُ اليَومَ في الأَكبادِ لَوعَةَ مُوجَعِ

وَفارقَ أَوجَ العَزِّ وَالمَجدِ وَالعُلى

إِلى أَوجِ مَجدٍ مِنهُ أَعلى وَأَرفَعِ

أَيا كَنَفَ الرَحمانِ أَودَعَت دُرّةً

مكرّمةً مِن عِند أَكرَمِ مودِعِ

وَيا قَبرُ فيكَ اليَومَ أَنضرُ زَهرَةٍ

غَنيتَ بِها عَن زَهرِكَ المتضَوِّعِ

وَيا أَيُّها الغُصنُ الَّذي هَصَّرَ الرَدى

مَعاطفَ قَدٍّ مِنهُ رَيَّانَ مُمرِعِ

تَرَكتَ مَغانينا وَقَد بِتَّ مِثلَما

دُعيتَ فَريداً ضِمنَ صَحراءَ بِلقعِ

فَما بَرِحَتْ في كُلِّ قَلبٍ كَآبةٌ

مِنَ الحُزنِ تَغشى كُلَّ وَجهٍ بِبُرقُعِ

وَطالَتَ مَناحاتُ النَوادبِ في الحِمى

عَلَيكَ فَأَشجى نَوحُها كُلَّ مَربعِ

رُويدَكَ إِنَّ العَينَ لَم تُوفِ حَظَّها

بِمَرأى جَمالٍ مِنكَ بِاللطفِ مُبدِعِ

وَلا رَوِيتْ مِنكَ الصَدورُ فَإِنَّها

مُشَوقةُ أنسٍ ظَلَّ أَعذَبَ منقعِ

لَئن صَدَقَتْ فيكَ العُيونُ بِدَمعِها

فَإِنَّ قُلوبَ القَومِ بِالجَرحِ تَدَّعِي

وَإِن تَكُ قَد أَمسَيتَ في القَفرِ موحِشاً

فَوحشَتُنا في الحَيِّ لَم تَتَقَشَّعِ

هُوَ البَينُ يَغشى كُلَّ خَلقٍ فَأَنْفُسٌ

تَفانَتْ وَدَمعٌ سالَ في كُلِّ مَضجَعِ

وَما الناسُ إِلا نازِلٌ غَيرَ قادمٍ

وَمُرتَحَلٌ وَلَّى عَلى غَيرِ مرجعِ

بِماذا نُعزِّي عَنهُ مُهجَةَ والدٍ

رَؤوفِ فُؤادٍ بِالشُجونِ مُرَوَّعِ

لَقَد هاجَمتُهُ الحادِثاتُ مَغيرَةً

بِأَذلقَ حَدّاً مِن ظُباهُ وَأَقطَعِ

عَلى أَننا مِنهُ عَرَفنا لَدى البَلا

تَقلُّدَ صَبرٍ لَيسَ بِالمُتَزَعزِعِ

وَقَد خَبِرَ الدُنيا فَلم تَأتِ عِندَهُ

غَريباً وَلَم تَبدو بِوَجه مُقنَّعِ

وَعَرّفهُ الماضي حَقيقةَ قادِمٍ

كَقافيةٍ في صَدرِ بَيتٍ مَصرَّعِ

تَعوَّد أَخذَ الرفقِ في كُلِّ حالَةٍ

فَما وَقَعَتْ إِلا عَلى قَلب أَروَعِ

وَقابلَ هَذا الدَهرَ بِالحِلم فَاِنثَنى

عَلَيهِ بِطَبعٍ بِالسَفاهةِ مُولَعِ

أَمَولايَ رِفقاً انَّ رزءَكَ في المَلا

تَقاسَمَهُ الأَكبادُ في كُلِ مَوضِعِ

تَعِزُّ بِأَنجالٍ كِرامٍ أَعِزَةٍ

لَهُم في سَما عَلياكَ أَشرفُ مَطلَعِ

تَناولَ كُلٌّ مِنهُمُ المَجدَ تالِداً

وَحازَ كَمالَ الفَخرِ قَبلَ التَرَعرُعِ

فَلا ساءَتِ الدُنيا بِهِم لَكَ مُهجَةً

وَلا كَدّرَت أَحداَثُها طيبَ مَنجعِ

ودُمْ بَعدَ مَن فارَقت بِاللَهِ سالِماً

عَزيزاً وَمَن فارَقتَ في خَيرِ مَرتَعِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

زمان الحمى هل من معاد فنطمعا

المنشور التالي

إليك ركائب الآمال تسعى

اقرأ أيضاً