عهد الشباب سقى أيامك الأولا

التفعيلة : البحر البسيط

عهْدَ الشّبابِ سَقَى أيّامَكَ الأُوَلا

سحٌّ منَ الدّمْعِ إنْ شحَّ الحَيا هطَلا

وإنْ حَيا اللهُ حيّاها مُزَيْناتِهِ

يوْماً وأُسْعِفَ طَلاّبٌ بِما سألا

فجادَ حيَّكَ منْها غيْرَ مُفْسِدِها

مُجَلْجِلٌ يَطأ الأوْهادَ والقُلَلا

يُغادِرُ الدّوْحَ منْ بعْدِ الذّوَى خضِلاً

يخْتالُ في حُلَلٍ مَوْشِيّةٍ وحُلا

فكمْ لَنا فيهِ إذْ عهْدُ الهَوى كثِبٌ

وإذْ خِضابُ شَبابِ الفَوْدِ ما نصَلا

منْ عهْدِ أنْسٍ تفيّأتُ السّرورَ لَدَى

روْضاتِهِ وجَنَيْتُ اللهْوَ والغَزَلا

ومِنْ شُموسٍ وأقْمارٍ إذا طَلَعتْ

كانَتْ مَشارِقُها الأسْتارَ والكِلَلا

فاليوْمَ لا وصْلَ إلاّ أنْ تَرى لهُمُ

نُهْدي تحيّتَنا الأسْحارَ والأصُلا

يا لائِمَيَّ وقدْ لَجّ الغَرامُ ذَرا

لوْمي وإنْ كُنْتُما في مِرْيَةٍ فسَلا

قدْ أنّبَ اللّوْمُ قلْبي في تقلُّبِه

حوْلاً وراوَدَ بَثّي مرْبَعاً كَمَلا

لا الجَفْنُ منّي علَى شحْطِ المَزارِ جَفا

دَمْعي ولا القلْبُ منْ بعْدِ البِعادِ سَلا

كمْ لُذْتُ بالدّهْرِ أنْ يُدْني النّوَى فأبَى

وبالتّعَلُّلِ أنْ يُجْدي فَما فعَلا

وليْسَ تَرْوي غَليلاً أو تَعُلُّ صَدىً

ظِماءُ عزْمِكَ ما أوْرَدْتَها أمَلا

وفِتْيَةِ تخْرِقُ الفَلاةَ ضُحَى

بالعَزْمِ واتّخَذَتْ ظهْرَ الدُجَى جَمَلا

أنْضاءِ أفْيَحَ إنْ ضلّوا وإنْ ظمِئوا

شامُوا النّدى واسْتَدلّوا البيضَ والأسَلا

غالَتْ سوائِمَها شُهْبُ السّنينَ فَما

أبْقَتْ مِراساً ولا خَيْلاً ولا جَمَلا

تَبْغي النّدَى حيْثُ لُجُّ الجودِ موْرِدُهُ

عذْبٌ وتُنْتِجُ الأمْلاكَ والدُّوَلا

أجَلْتُ قِدْحَ سِفارِي في رِكابِهِمُ

ففازَ قِدْحي فيما رُمْتُهُ وعَلا

حتّى أنَخْنا المَطايا في حمَى ملِك

عنْ منْهَجِ العدْلِ والإحْسانِ ما عَدَلا

للّهِ يوسُفُ في الأمْلاكِ إنْ ورَدَتْ

منْهُ العُفاةُ جَناباً للنّدَى خضِلا

كانَتْ مَواهِبُهُ قبْلَ اللِّقاءِ لهُمْ

نَهْباً وكانتْ لهُمْ جَنّاتُهُ نُزُلا

جزْلُ العَطاءِ لوْ أنّ البَحْرَ نائِلُهُ

لقَلّ في جودِهِ الفَيّاضِ ما بَذَلا

آراؤهُ شُهُبٌ تُهْدي وسيرَتُهُ

ما إنْ تَرَى عِوَجاً فيها ولا خَلَلا

منْ دوْحَةِ الأزْدِ حيثُ الحَيُّ منْ يمَنٍ

بشَطِّ غسّانَ مِنْ بعْدِ السُرَى نزَلا

ثمّ اسْتَرادَ جَنابَ اللهِ خزْرَجُهُ

حتّى أحلّ بأعْلى يثْرِبَ الحِلَلا

منْ كلِّ أرْوَعَ تبْدو في أسرَّتِهِ

سِماتُ يعْرُبَ تأبى الشّوْبَ والدَّخَلا

مِطْعامُ مَسْغَبَةٍ إنْ ضنّ صوْبُ حَيا

مِطْعانُ هيْجاءَ لا جُبْناً ولا بَخِلا

يأبَى المَوارِدَ أنْ تؤتَى مشارِعُها

حتّى إذا أرْسَلَتْ رُعْيانُها الرَّسَلا

ترَى المُلوكَ وُقوفاً دونَ موْرِدِه

لا يورِدونَ بهِ إلا إذا نَهَلا

حتّى إذا أنْزَلَ اللهُ الكِتابَ بِما

أنارَ أبْصارَ أرْبابِ النُهَى وجَلا

آوَتْ نَبيَّ الهُدَى لمّا اسْتَجارَ بِها

والنّاسُ في فتْرَةٍ قدْ كذَّبوا الرُّسُلا

وجالَدَتْ دونَهُ الأحْزابَ جاهِدَةً

وجدّلَتْ بظُبَى بُرْهانِه الجَدَلا

فأصْبَحَتْ في نَوادِيها أدِلّتُهُ

تعْلو وملّتُهُ قدْ هاضَتْ المِلَلا

يا ناصِرَ الدّينِ لمّا قلّ ناصِرُهُ

ومُطْلِعَ الجودِ في الدُنْيا وقدْ أفَلا

لوْلا التشهُّدُ والتّرْدادُ منْكَ لهُ

لمْ يسْمعِ الناسُ يوْماً منْ لِسانِكَ لا

رابَ الجَزيرةَ أمْرٌ لا تقَرُّ بِهِ

وهاجَ مِرجَلُها منْ فِتْنَةٍ وغَلا

فقَرّ راجِفُها لمّا احْتَلَلْتَ بِها

ورُضْتَ بالعَدْلِ منْها المَيْلَ فاعْتَدَلا

واهْتَزّتِ الأرضُ في رَيْعانِها ورَبَتْ

كأنّ مُلْكَكَ شمْسٌ حلّتِ الحَمَلا

حتّى إذا برَقَتْ للرّوعِ بارِقَةٌ

أقْبَلْتَها البِيضَ والعسّالةَ الذُّبُلا

وكلّما عذَلَتْكَ النّفْسُ رادِعَةً

جعَلْتَ سيْفَكَ فيها يسْبِقُ العَذَلا

في فِتْيَةٍ ذَمَرَتْ منْها العُلَى صُبُرا

قدْ ساغَ صِبْرُ المَنايا عندَها وحَلا

تُضيءُ أوجُهُها والحَرْبُ كالِحَةٌ

قد شابَ مفْرِقُها بالنّقْعِ واكْتَهَلا

لوْ رامَتْ الشُّهبَ في أقصى مَراكِزِها

لمْ تُبْقِ في الجَوِّ بَهْراماً ولا زُحَلا

أرْسَلْتُ منْها علَى الأعْداءِ داهِيَةً

دَهْياءَ ما وجَدَتْ في دفْعِها قِبَلا

حتّى إذا سألَتْكَ السِّلْمَ ماثِلَةً

حكّمْتَ فيها كِتابَ اللهِ مُمْتَثِلا

وصِرْتَ والدّينُ ضاحٍ في جَواهرِها

ظِلالَ أمْنٍ وسَلْمٍ أمّنَ السُبُلا

فكادَتِ الشّاءُ ترْعَى والذّيابُ مَعا

وكادَتِ الناسُ فيها تأمَنُ الأجَلا

فدُمْ ومُلْكُكَ للإسْلامِ خيْرُ حِمىً

ينْفي الخُطوبَ ويكْفي الحادِثَ الجَلَلا

واسْعَدْ بعِيدٍ أعادَ الدّهْرَ مُبتَهِجاً

في ظِلِّ رَيْعانِهِ والسّعْدَ مُقْتَبِلا

وازْلِفْ بصَوْمٍ حَبَيْتَ الذِّكْرَ وافِدَهُ

قِرىً وأخْلَصْتَ فيهِ القوْلَ والعَمَلا

أثْني عليْكَ بِما أوْلَيْتَ من عمَلٍ

بَرٍّ وودَّعَ أرْضَى راحِلٍ رحَلا

ودونَ مُلْكِكَ منْ روْضِ البَيانِ نُهىً

أرَحْتُ فيها القَوافِي فاغْتدَتْ مَثَلا

تَنْميكَ عنْ قدَمٍ في العُرْبِ راسِخةٍ

والطِّرْفُ يُعْرَفُ منْهُ العِتْقُ إنْ صَهَلا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أعيى اللقاء علي إلا لمحة

المنشور التالي

إذا كان عين الدمع عينا حقيقة

اقرأ أيضاً

هنا نحن قرب هناك

هُنَا نَحْنُ قُرْبَ هُنَاكَ، ثَلاَثُونَ بَاباً لِخَيْمَهْ هُنَا نَحْنُ بَيْنَ الحَصَى والظِّلاَلِ مَكَانٌ. مَكَانٌ لِصَوْتٍ, مَكَانٌ لِحُرِّيَّةٍ, أَوْ…