سَقَى دارَهُمْ هامٍ منَ السُّحْبِ هامِعُ
ولا أجْدَبَتْ تِلكَ الرُّبَى والأجارِعُ
يَنوبُ عنِ الأجْفانِ في عَرَصاتِها
إذا كَلَّ منْها عارِضٌ مُتَتابِعُ
وحَيَّ بِها عهْدِي إذِ العيْشُ ناعِمٌ
نَضيرٌ وإذْ روْضُ الشّبيبةِ يانِعُ
وقَفْنا علَيها الرَّكْبَ يوْماً وبعْدَهُ
وثالِثَ يوْمٍ واقْتَضى السّيْرَ رابِعُ
نُعَفِّرُ في الآثارِ حُرَّ خُدودِنا
ونَشْكو الى الأطْلالِ ما البَيْنُ صانِعُ
فكمْ قدْ روَتْ عنّا بِها تِلكُمُ الرُّبَى
أحاديثَ شكْوَى سَلسَلَتْها المَدامِعُ
مَعاهِدَنا اللاّتِي محَتْ حُسْنَكِ النّوَى
تُرَى هلْ لَيالِي الأنْسِ منْكِ تُراجِعُ
ويَسْكُنُ قلْبٌ منْ بِعادِكِ خافِقٌ
ويَرْفأ جَفْنٌ منْ فِراقِكِ دامِعُ
يَميناً بعَهْدِ القُرْبِ فيكِ إذِ الهَوى
قَشيباً وإذْ شمْلَ الأحبّةِ جامِعُ
لَمَا خامَرَ السَّلْوانُ بعْدُ قُلوبَنا
ولا عرَفَتْ مِنّا الجُنوبَ المَضاجعُ
وإنّا لَيَعْرونا إليْكِ تَشَوُّقٌ
إذا لاحَ برْقٌ منْ ثَناياكِ لامِعُ
ومِنْ عجَبٍ أنْ خانَنا فيكِ عزْمُنا
فَلا العَهْدُ مَنْسيٌّ ولا الحيُّ شاسِعُ
وما إنْ تَنَكَّبْنا الوَفاءَ طَريقَةً
ولا برِحَتْ تَحْنو علَيْهِ الأضالِعُ
ولكِنّنا جِئْنا منَ الأرْضِ جنّةً
بِها للعِبادِ الفائِزينَ مَشارِعُ
فأبْصارُنا وقْفٌ علَى كلِّ منْظَرٍ
يَروقُ وفِيها ما تلَذّ المَسامِعُ
ومَنْ حَلَّ هَذا المُلْكَ لمْ يَبْغ بعْدَهُ
رَحيلاً ولمْ ينْزِعْ بِهِ عنْهُ نازِعُ
حلَلْنا منَ الأنْصارِ حيّاً بنُورِهِ
أضاءَت لأرْبابِ اليَقينِ المَطالِعُ
وغَاباً لأُسْدِ اللّهِ دونَ مَرامِهِ
جُنودُ السّماواتِ الطِّباقِ تُدافِعُ
وإنْ غالَ خطْبُ فهْوَ مأْوَى منَ الرّدَى
وإنْ هالَ ذنْبٌ فهْوَ في الذّنْبِ شافِعُ
وفاضَتْ علَيْنا منْ مَواهِبِ يوسُفٍ
بِحارٌ لغُلاّتِ الظَّماءِ نَواقِعُ
ولاحَتْ لَنا منْ بِشْرِهِ ونَوالِهِ
سَحائِبُ تَهْمي والشُموسُ طَوالِعُ
فلمْ نَرَ منْ قبْلِ اسْتِلامِ يَمينِه
بِحارَ نَوالٍ قِيلَ هُنّ أصابعُ
ألا هَكذا فلْيُحْرِز المَجْدَ ربُّهُ
وتُبْنى المَعالي أوْ تُرَبّى الصّنائِعُ
أميرَ العُلَى لوْلاكَ لمْ تنْبُ رَوْعَةٌ
ولمْ تَعْرِف النّوْمَ العُيونُ الهَواجِعُ
ولا سُكِنَتْ هَذِي الجَزيرةُ بُرْهَةً
وأصْبَحَتِ الأوْطانُ وهْيَ بلاقِعُ
ولا عُرِفَ الحقُّ المُبينُ من الهَوى
ولا مثَلَتْ للسّالِكين المَهايِعُ
ولمّا استَشاطَ الكُفْرُ بيْنَ بلادِها
وقادَتْهُ لاستِئْصالِهنّ المَطامِعُ
أعَدَّك فِيها اللهُ تنْصُرُ دينَهُ
وتَصْدَعُ بالحقِّ الذي هوَ صادِعُ
وتَمْضي كَما يمْضي القَضاءُ بقُدْرَةٍ
منَ اللهِ لا يُلْفَى لَها الدّهْرَ دافِعُ
وكتّبْتَ منْ أُسْد الحِفاظِ كَتائِباً
إذا ثوّبَ الدّاعي أتَتْهُ تُسارِعُ
إذا سحَبوا ذَيْلَ الدّروعِ إلى الوَغَى
كما تسْحَبُ السُّحْبَ البُدورُ الطّوالِعُ
تحرّكَتِ الأجْيالُ واشْتَعَلَ الفَلا
وزُلْزِلَ منْ هَذي البَسيطةِ وادِعُ
وأعْدَدْتَ منْ غُرِّ الجِيادِ صَوافِنا
تَغارُ بأدْناهَا البُروقُ اللّوامِعُ
مُطَهّمَةً جُرداً لها منْ دَمِ العِدَى
شِياتٌ ومنْ نسْجِ القَتامِ البَراقِعُ
ومُنْصَلِتٌ كالصُّبْحِ أشهَبُ ساطِعٌ
وأحْمَرُ وردِيٌّ وأصْفَرُ فاقِعُ
لدَيْهِنّ منْ رألِ الرِّمالِ إذا انثَنَتْ
تَليلُ ومِنْ ظَبْي الفَلاةِ أَسارِعُ
وثقّفْتَ منْ سُمْرِ الرِّماحِ ذَوابِلاً
بأقْلامِها فِيهِمْ تُخَطُّ الوَقائِعُ
فأصْبَحَ جمْعُ الكُفْرِ دونَ نِزالِها
كَما تتْرُكُ النّبْتَ الهَشيمَ الزّعازِعُ
يؤَمِّلُ بالسِّلْمِ انتِظامَ شَتاتِهِ
وهيْهاتَ يُرْجى وصْلُ ما اللهُ قاطِعُ
فبابُكَ مرْجُوٌّ وبأسُكَ مُتّقَى
ورِفْدُكَ مَبْذولٌ وعدْلُكَ شائعُ
ومُلْكُكَ منْصورٌ وحِزْبُكَ غالِبٌ
وسيْفُكَ آنافَ الضّلالَةِ جادِعُ
لكَ اللهُ ما أمْضى سُيوفَك كلّما
تَواقَعَ منْ مُرّ الحَوادِثِ واقِعُ
ومَنْ ذَا لهُ جَدٌّ كجَدِّكَ أوْ أبٌ
إذا عدّدَتْ آباءَهُنّ التّبابِعُ
لقدْ أبْصَرَتْ منْكَ النّواظِرُ مِلأَها
غَداةَ بَدا منْ غُرّةِ العِيدِ طالِعُ
برَزْتَ على رجْلِ الجَلالِ الى التي
تُرَفِّعُ منْ مَثْواكَ ما اللهُ رافِعُ
وأحْيَيْتَ للدّينِ الحَنيفِ شَرائِعاً
بأنْصارِ دينِ اللهِ تُحْيَى الشّرائِعُ
وقد زَحَفتْ يُعْشِي العيونَ رُواؤُها
صُفوفٌ من الفُرْسانِ وهْيَ دَوارِعُ
فلمّا قضَيْتَ العيدَ سُنّةَ نحْرِهِ
وأُطعِمَ مُعْتَرُّ هُناك وقانِعُ
رَجعتَ الى دارِ الخِلافةِ والعُلَى
فضاءَتْ بنورِ الهَديِ تلكَ المَرابعُ
وعرّضْتَ للتّقْبيلِ كَفاً كريمةً
تَفيضُ على الطُّلاّبِ منها ينابِعُ
وذاعَتْ بروْضِ المدْحِ فيكَ مدائِحٌ
كما ذاعَ منْ أنفاسِ دارينَ ذائِعُ
فيَهْنيكَ في الأعْيادِ أسْعَدُ قادِمٍ
يخبِّرُ أنّ الفَتْحَ منْ بعْدُ تابعُ
أطلّ فحيّانا بطَلِّ سُرورِه
لقد عذُبَتْ منْهُ لَدَيْنا المَواقِعُ
فدُمْ ملْجَأ للدّينِ تَحْمي ذِمارَهُ
إذا دهَمَتْ يوْماً بَنيهِ المَفازِعُ
كأن بكَ قد أحْرَزْتَ كلَّ ممَنّعٍ
بَعيدٍ فلمْ يمْنَعْهُ دونَكَ مانِعُ
وأصبحَ مُلْكُ الرّومِ نهْباً وأصبحَتْ
تحَكَّمُ في غُلْبِ الرِّقابِ الجَوامِعُ
ودانَتْ لكَ الدُنيا وأصْبَح شمْلُها
بُعَيْدَ افتِراقٍ وهْوَ بالدّينِ جامِعُ
وإنّي لأرْجو اللهَ حتّى كأنّني
أرى بجَميلِ الظّنِّ ما اللهُ صانِعُ