لم أكن بعد أعرف عادات أمي, ولا أهلها
عندما جاءت الشاحنات من البحر. لكنني
كنت أعرف رائحة التبغ حول عباءة جدي
ورائحة القهوة الأبدية, منذ ولدت
كما يولد الحيوان الأليف هنا
دفعة ً واحدة!
نحن أيضا لنا صرخة في الهبوط إلي حافة
الأرض. لكننا لا نخزن أصواتنا
في الجرار العتيقة. لا نشنق الوعل
فوق الجدار, ولا ندعي ملكوت الغبار,
وأحلامنا لا تطل عل عنب الآخرين,
ولا تكسر القاعدة!
لم يكن بعد لاسمي ريش فأقفز أبعد
بعد الظهيرة. كانت حرارة إبريل مثل
ربابات زوارنا العابرين تطيرنا كالحمامات.
لي جرس أول: جاذبلية أنثي تراوغني
لأشم الحليب علي ركبتيها, فأهرب
من لسعة المائدة!
نحن أيضا لنا سرنا عندما تقع الشمس
عن شجر الحور: تخطفنا رغبة في البكاء
علي أحد مات من أجل لا شيء مات,
وتجرفنا صبوة لزيارة بابل أو جامع
في دمشق, وتذرفنا دمعة من هديل
اليمامات في سيرة الوجع الخالدة!
قرويون, من غير سوء, ولا ندم
في الكلام. وأسماؤنا مثل أيامنا تتشابه,
أسماؤنا لا تدل علينا تماماً. ونندس
بين حديث الضيوف. لنا ما نقول عن
الأرض للأجنبية حين تطرز منديلها ريشة
ريشة من فضاء عصافيرنا العائدة!
لم تكن للمكان مسامير أقوي من الزنزلخت
عندما جاءت الشاحنات من البحر. كنا
نهييء وجبة أبقارنا في حظائرها, ونرتب
أيامنا في خزائن من شغلنا اليدوي
ونخطب ود الحصان, ونومئُ
للنجمة الشاردة.
نحن أَيضاً صعدنا إلى الشاحنات. يُسَامِرُنا
لَمَعانُ الزُمُرُّدِ في لَيْلِ زَيْتُونِنا، ونُباحُ
كلابٍ على قَمَرٍ عابرٍ فوق بُرْجِ الكنيسةِ،
لكننا لم نكن خائفين. لأن طفولتنا لم
تجئْ معنا. واكتفينا بأغنيَّة: سوف نرجع
عمَّا قليل إلى بيتنا… عندما تُفْرِغُ الشاحناتُ
حُمُولَتَها الزائدةْ !