رباعيات

التفعيلة : حديث

1
أُرى ما أريدُ مِنَ الحقل… إنَّي أَرى
جدائلَ قَمْحٍ تُمَشِّطُهَا الريح، أُغمضُ عينيِّ :
هذا السرابُ يُؤدِّي إلى النَهَوَنْدْ
وهذا السكونُ يُؤَدِّي إلى اللازَوَردْ
2
أرى ما أُريدُ من البحر… إني أرى
هُبوبَ النوارس عند الغروب فأُغمض عينيّ :
هذا الضياعُ يؤدِّي إلى أندلُسْ
وهذا الشراعُ صلاةُ الحمام عليّ ….
3
أرى ما أُريدُ من الليل… إني أرى
نهايات هذا الممرِّ الطويل على باب إحدى المُدُنْ
سأَرمي مُفَكرتي في مقاهي الرصيف، سأجْلسُ هذا الغيابْ
على مقعد فوق إحدى السفُنْ
4
أرى ما أريدُ من الروح: وَجْهَ الحجرْ
وَقَدْ حكِّهُ البرقُ، خضراءُ يا أرضُ… خضراءُ يا أرض روحي
أما كنتُ طفلاً على حافة البئْر يلعبُ ؟
ما زلتُ ألعب…. هذا المدى ساحتي، والحجارةُ ريحي
5
أرى ما أريدُ من السلْم… إني أرى
غزالاً وعشباً، وجدول ماءٍ… فأغمض عينيّ :
هذا الغزال ينامُ على ساعديّ
وصيَّادُهُ نائم، قُرْبَ أولادِهِ في مكانٍ قصيّ
6
أرى ما أريدُ من الحرب… إني أرى
سواعدَ أجدادنا تعصُرُ النبع في حَجَر أخضرا
وآباءنا يَرثُون المياه ولا يورثون، فأُغمض عيني :
إنَّ البلادَ التي بين كفيَّ من صُنْع كَفّيّ
7
أرى ما أُريدُ من السجن: أيَّامَ زهرةْ
مَضَتْ من هنا كي تدلَّ غريبين فيّ
على مقعد في الحديثة، أغمضُ عينيّ :
ما أوسع الأرض! ما أًجمل الأرض من ثُقْب إِبرةْ
8
أُرى ما أُريدُ من البرقِ.. إِني أَرى
حقولاً تفتت أغلالَها بالنباتات، مَرْحى !
لأُغنية اللوز بيضاءَ تهبط فوق دخان القرى
حماماً… حماماً نقاسمه قُوتَ أَطفالنا
9
أرى ما أُريدُ من الحُبّ … إني أرى
خيولاً تُرَقِّص سهلاً، وخمسين غيتارةً تتنهَّدْ
وسرباً من النحل يمتصُّ توت البراري، فأُغمض عينيّ
حتى أرى ظَّلنا خلف هذا المكان المُشَرَّدْ
10
أرى ما أريدُ من الموت: إني أُحبُّ، وينشقُّ صدري
ويقفزُ منه الحصانُ الإروسي أبيضَ يركض فوق السحابْ
يطير على غيمة لا نهائية ويدور مع الأزرق الأبَديّ…
فلا توقفوني من الموت، لا تُرْجعوني إلى نجمةٍ من ترابْ

11
أرى ما أُريدُ من الدم: إني رأيتُ القتيلْ
يخاطب قاتِلَهُ مذ أضاءتْ رصاصتُه قَلْبَهُ: أنت لا تستطيعْ
من الآن أن تتذكر غيري. قتلتُك سَهْواً، ولن تستطيعْ
من الآن أن تتذكَّر غيري… وأن تحمل وردَ الربيعْ

12
أرى ما أُريدُ من المَسْرَح العبثيِّ: الوحوشْ
قضاةَ المحاكم، قُبَّعةَ الإِمبراطور، أقنعةَ العصر،
لونَ السماء القديمة، راقصةَ القصر ، فوضى الجيوش
فأَنسى الجميع، ولا أتذكَّر إلا الضحية خلف الستار

13
أرى ما أُريدُ من الشعر: كُنّا قديماً إذا استُشْهِد الشعراء
نُشَيِّعُهُمْ بالرياحين ثم نعود إلى شعرهم سالمين
ولكننا في زمان المجلات والسينما والطنين نهيل التراب على شعرهم ضاحكين
وحين نعود نراهم على بابنا واقفين

14
أرى ما أُريدُ من الفجر في الفجر… إني أرى
شعوباً تفتِّشُ عن خبزها بين خبز الشعوبْ
هو الخبز، يَنْسُلُنا من حرير النعاس، ومن قُطْن أحلامنا
أمن حَبَّة القمح يبزغُ فجر الحياة… وفجر الحروبْ؟

15
أَرى ما أُريد من الناس: رغبتَهمْ في الحنينْ
إلى أيِّ شيء. تباطؤهم في الذهاب إلى شُغْلِهمْ
وسُرْعتَهُمْ في الرجوع إلى أهلهمْ …


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

مقدمة

المنشور التالي

ربِ الأيائل ياأبي .. ربها

اقرأ أيضاً

حوض خزامى

محتشمة متكتمة, على طيبك, كحوض خزامي, تجلسين قبالة مطالعي. وأصابعي تحك أصابعي, فيسقط فنجان قهوتي ــ ذريعتي وخديعتي,…