فكاكك أيها القلب الأسير

التفعيلة : البحر الوافر

فَكاكُك أيّها القلبُ الأسيرُ

غداً لو قال حادي الركبِ سِيروا

عسى الأظعانُ تُطلِعُ إن أثاروا

هلالاً كان تكفُره الخدورُ

وإن أخذوك أنتَ وخلَّفوني

فسِرْ معهم فذاك لهم يَسيرُ

تَعلَّقْهم عساهم أن يُذِمُّوا

عليك من الصبابة أو يُجيروا

لِمَن شَدَنِيّةٌ سبقتْ عِجالاً

فما تدري أتقصِدُ أم تجورُ

يخوض الليلَ سائقُها أنيساً

بآيةِ لاحَ بين يديهِ نورُ

وكيف يَخاف تِيهَ الليلِ رَكبٌ

تَطلَّعُ من هوادجه البدورُ

يناجزُ في الوَداعِ معاتباتٍ

لهنَّ كبودُنا ولنا الزفيرُ

أكنتَ معي بعينٍ أم بقلبٍ

برامةَ والعيونُ إليَّ صُورُ

غداةَ أقولُ وابتهجتْ جِبَاهٌ

عطفنَ عليّ وابتسمت ثغورُ

أَمَا من قُبلةٍ في اللّه قالوا

متى حَلَّتْ لشاربها الخمورُ

وقارَكَ والتفتْ تَرَهُنَّ بِيضاً

كَبِرتَ فقلتُ مِسكينُ الكبيرُ

ألاَ يا صاحبيَّ تملَّياني

أطاعَ إِبايَ واعتدلَ النُّفورُ

أرى كبدي وقد بَردتْ قليلاً

أمات الهمُّ أم عاش السرورُ

أم الأيامُ خافتني لأنّي

بفخر الملك منها أستجيرُ

ذراني عاد إملاحي نمِيراً

ويُفعَمُ بعد ما نضبَ الغديرُ

طغَى أملي وطال قصيرُ باعي

ويَنمْي الشيءُ أوّلُه حقيرُ

ولا تتعجّبا من خِصب رَبْعي

فرَبعي بعضُ ما جاد الوزيرُ

ولكن بايِعاهُ عن لساني

فإنّي حين أَعجِزُ أستشيرُ

ظهورُك آيةٌ للّه صحَّتْ

بها الأديانُ واشتفت الصدورُ

وزالت شُبهةُ المرتابِ في أن

تُكشِّفَ عن ضمائرها القبورُ

رآك وميِّتُ الآمال حيٌّ

بجودك والندَى الأعمى بصيرُ

فآمنَ بالمسيح وآيتيه

وأَنْ نشأتْ من الطِّين الطُّيورُ

وأيقنَ أن موسى شقَّ بحراً

بأن شُقَّت بكفّيك البحورُ

ولمّا أن أتيتَ على فتورٍ

وبابُ ضلالةِ الأمم الفتورُ

وأَبصرَ قبلك الماضين مَرُّوا

ولمّا تنتظِمْ بهمُ الأمورُ

صبا لمحمّدٍ وأطاع فيه

وقال الرُّسْلُ خيرهم الأخيرُ

أقول بمعجزاتك لا غُلوَّاً

وكاتمُ نعمةِ المعطي كَفورُ

إذا الأسماء أُلزمتِ المعاني

فأنت الحقُّ والوزراءُ زورُ

رأيناهم وكلُّهُمُ شُكولٌ

مُصلِّيهم لسابقهم نظيرُ

بِكَ انتصر الملوكُ وأنتَ فيما

دَعوْك لنصره نِعمَ النصيرُ

فأنت الليلةُ القَمراءُ بانت

على الأخَواتِ واليومُ المطيرُ

حميتَ كبيرَهم إذ حُمَّ وقتٌ

تحوطُ به وقد كَبِرَ الكبيرُ

وماتت دولةٌ فأقمت أَخرَى

فلا موتٌ عصاك ولا نشورُ

وباشرتَ الخلافةَ فاطمأنَّتْ

على أمرٍ ومطلبُه عسيرُ

ويومَ العهدِ والوافي قليلٌ

أطاعك مِنبراها والسريرُ

أُلينَ عليك مُعجَمُها المُعاصِي

وخَفَّ إليك مجلسُها الوقورُ

درَى الفِهريُّ حين أسفَّ قومٌ

وطِرتَ بأيّ قادمةٍ تطيرُ

رآك بهَدْيِهِ فجزاك خيراً

وقد يتفرَّسُ الرجلُ البصيرُ

وأعطاك التي نشزتْ قديماً

وإن هي أُغليتْ فيها المهورُ

وأَفرشك الكرامةَ لم يدُسْها

جبانٌ في الملوك ولا جسورُ

مقالاً في اصطفائك واعتقاداً

يُحيلُ على اللسان به الضميرُ

وقلَّد سيفَه بيدَيْه سيفاً

طويلُ نجادِهِ عنه قصيرُ

حساماً كان للمنصور حِصناً

ولم يك للمدينة بعدُ سورُ

وصاحَبَ بعده الخلفاءُ تِرْباً

رفيقاً حين يجلِسُ أو يثورُ

تذلُّ له المنابرُ يرتقيها

وتألفُه المناكبُ والحجورُ

وما كفؤٌ له لولاك كفؤاً

ولكنّ الذُّكورَ لها الذُّكورُ

أميرُ المؤمنينَ يقول خذْهُ

فإنّك في تقلُّده الأميرُ

ولو عَقلتْ عُقَيْلٌ شاورتني

فكنتُ برأي ناصِحها أشيرُ

فررتِ مكانَ لم تَجِدِي ثباتاً

ويقتُلُ ذِكرَهُ البطلُ الفَرورُ

إذنْ فتزحزحي عن دارِ مُلْكٍ

لغيرِك ضَرعُها ولكِ الدُّرورُ

أغرَّكِ بالجزيرةِ ما أغرنا

نظارِ فقربَ ما ارتجع المغيرُ

فلا تتوهَّمي بالشرِّ ليناً

فقد يتألَّقُ النَّصلُ الطريرُ

تخطَّتْها وإن وسِعتْكَ مَرعىً

فكم دارٍ تُبيرُ كما تُميرُ

ويَقطَعُ عُضوَه المرء اضطراراً

وإن أَلِفَتْ مَنابتَها الشُّعورُ

سمعتَ بشائرَ الظفَرِ استمعْ لي

أُعِدْ خبَراً وأنت به خبيرُ

أنا المولى صنعتَ إليه نُعمَى

أخي فيها حسودٌ أو غيورُ

جذبتَ من القُنوع بها ذراعي

فطارت دون أخمَصِيَ النسورُ

نفائسُ لم ينلْهنَّ اقتراحُ ال

مُنَى فيما تُسَدِّى أو تُنيرُ

بَرَدْتَ على الزمان بها فؤادي

وكان عليه مِرجلُه يفورُ

وها هي نالت الأيّامُ منها

فجدِّدْ أَخلَقَ الظِّلَ الدُّثورُ

يزور المهرجانُ برسم قومٍ

ولي رسمٌ يشوق ولا يزورُ

وقوم يكرمون على الأَسَامِي

فتُرخَى الحُجْبُ عنهم والستورُ

يقول الشعرُ إن حضَروا وغبنا

فدَى الغُيَّاب ما قال الحُضورُ

يكرِّرُ غابرٌ ما قال ماضٍ

وقِدْماً أخلقَ المعنَى الكُرُورُ

تطَبَّعتِ القرائحُ واطمأنَّتْ

فَلِمْ يتكفؤونك يا صبورُ

بهذا الحكمُ حين تحالباها

نقائضَ حاز زُبدتَها جريرُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ينام على الغدر من لا يغار

المنشور التالي

ترنمت ترنم الأسير

اقرأ أيضاً