يا راحلين إلى الديار الباقيه

التفعيلة : البحر البسيط

يا راحلينَ إلى الدِّيارِ الباقيَهْ

لا تَعمُروا دارَ الخَرابِ الفانيَهْ

تِلكَ الدِيارُ هي المُقامُ وإنَّما

هذي الدِّيارُ مَراحلٌ في الباديَهْ

ويحْي مَتَى تُصْحُونَ من سُكرٍ بلا

خمرٍ ومن نومٍ بعينٍ ساهيَهْ

إن كانَ غَرَّكُمُ الغُرورُ بأمرِكم

فتذَكَّروا أمرَ القُرونِ الخاليَهْ

يا سائراً والموتُ مِلءُ طَرِيقِهِ

احذَرْ فأنتَ على شَفيرِ الهاويَهْ

واعلَمْ بأنَّكَ ليس تخطو خَطْوةً

مأنونةً مِن أنْ تَكُونَ القاضيَهْ

يلهو الجَهُولُ عنِ المَنيَّةِ زاعماً

أنَّ المنيَّةَ عنهُ أمسَتْ لاهيَهْ

النَّاسُ أمثالُ الفرائسِ حَولَها

رُسُلُ المنيَّةِ كالذِّئابِ الضاريَهْ

يَتَجَنَّبُ المَرْءُ البَلاءَ وطالما

فاتَتْهُ داهيةٌ فصادَفَ داهيَهْ

وإذا تَعافى مُدنَفٌ من عِلَّةٍ

فعَليهِ أُخرى ليسَ منها عافيَهْ

أشكُو مُصابَكَ يا شَكوراً لم تَكُنْ

يوماً لهُ في الدَّهرِ نفسٌ شاكيَهْ

يا طائعاً أمرَ الإلهِ وزاجراً

عن تَرْكِ طاعتِهِ النُّفوسَ العاصيَهْ

يا صاحبَ القلبِ السَّليمِ كأنَّهُ

قد صِيغَ من عَذْبِ المياهِ الصافيَهْ

والصادِقَ الكَلِمِ التي لسَدادِها

كانت تَقودُ إلى الهُدَى بالناصيَهْ

والنَّاصِحَ البَرَّ الوَدُودَ المُستَوِي

قولاً وفِعلاً خُفْيةً وعَلانَيهْ

واللازمَ التهذيبِ في أعمالهِ

مثلَ التزامِ الشِّعرِ حرفَ القافيَهْ

لَمَّا دَعاكَ اللهُ من فِردَوْسِهِ

لَبيَّتَ مُمتثِلاً بنفسٍ راضيَهْ

ما كانَ ذاك العَزمُ إلاّ لَيلةً

حتى نَزَلتَ بِدارِهِ في الثانيَهْ

سَكَبَ الإلهُ عليكَ رَحمتَهُ كما

كانت مَراحِمُ قلبكَ المُتَواليَهْ

لم تبكِ عينٌ منكَ قَطُّ بسَوءَةٍ

وعليكَ صارت كلُّ عينٍ باكيَهْ

جَبَلٌ رفيعٌ هَزَّهُ ريحُ القَضا

والرِّيحُ يَعصِفُ بالجِبالِ العاليَهْ

ريحٌ توهَّمَ فيهِ لوناً أصفَرا

مَن ظنَّ فيهِ لَهيبَ نارٍ حاميَهْ

هُوَ زُبدةُ الأمراضِ في جُمهورِها

مثلَ الخُلاصةِ من بيوتٍ الكافيَهْ

فلَو اتَّخذْتَ إليهِ في أفعالِهِ

نَسَباً لكانَ البحرَ وَهْيَ الساقيَهْ

تَبّاً لها من ضَربةٍ فَتَّاكةٍ

كُثُرَتْ لوَقْعتها الشِّجاجُ الداميَهْ

فَتَكَتْ بهِ ولعلَّها اعتذَرَتْ لنا

إذ لم تَكُنْ وَقَعَتْ برأسِ الزاويَهْ

أنتَ المُرادُ ولا أُسمِّي غُنيةً

منِّي عَنِ اسمِكَ بالصِّفاتِ الغانيَهْ

وإذا سَلِمتَ فأنتَ شَمسٌ قد كَفَتْ

عن ضَوءِ كلِّ الأنجُمِ المُتَواريَهْ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أعرفت رسم الدار أم لم تعرف

المنشور التالي

عنوان كل مديح راسخ القدم

اقرأ أيضاً

خف من المربد القطين

خَفَّ مِنَ المِربَدِ القَطينُ وَأَقلَقَتهُم نَوىً شَطونُ فَاِستَفرَغوا مِشيَةَ المُصَلّى كَأَنَّ أَظعانَهُم سَفينُ وَقَرَّبوا كُلَّ أَرحَبِيٍّ كَأَنَّما ليطُهُ…