آس العذار على خديه قد كتبا

التفعيلة : البحر البسيط

آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا

حَديثَ فتنَتِهِ الكُبرَى فما كَذَبا

ما زالَ يخضَرُّ ذاك الآسُ مُزدهياً

وكيفَ يَخضَرُّ نبتٌ جاوَرَ اللهَبا

فَتىً منَ العَرَبِ العَرْباء مَنطِقُهُ

لكنِ شَمائِلهُ لا تَعرِفُ العَرَبا

غَضُّ الصِّبا لَيِّنُ الأعطافِ مُعتَدلٌ

لهُ فَكاهةُ رَيحانٍ ولُطفُ صَبَا

ما زالَ وَجدي بهِ يَنقادُ عن سَبَبٍ

حَتَّى رأيتُ لزُهدي في الهَوَى سَبَبا

لَهَوْتُ عن غَزَلٍ فيهِ بعارضةٍ

من النَّسيبِ بخَوْدٍ تَفتِنُ الأُدَبا

رِسالةٌ من ضواحي مِصرَ قد وَرَدَتْ

كأنَّها فَلَكٌ قد ضُمِّنَ الشُّهُبا

بديعةُ النَّظمِ خُطَّتْ بالمِدادِ ولو

أصابَ كاتِبُها أجرَى لها الذَهَبا

للهِ من كاتبٍ أقلامُهُ نَظَمَتْ

عِقْدَ اللآلي بلا سِمطٍ فواعَجبَا

يَفْتَنُّ في فِتنةِ الألبابِ مُبتدعاً

إذا قَضَى أو رَوَى أو خَطَّ أو خَطَبا

مُهذّبٌ تَرفَعُ الأوهامُ حِكمَتَهُ

حَزْماً إذا قامَ للتَّدريسِ مُنتصِبا

يَقضى لهُ حينَ يُفتي في مَجالِسِهِ

بالسَّبْقِ مِمَّن رأى في كَفِّهِ القَصَبا

عبدٌ أُضيفَ إلى الهادي فَنالَ هُدىً

منَ المُضافِ إليهِ كانَ مُكتَسَبا

أقوَى الوَرَى سَنداً أعلى الذُرَى عُمُداً

أنَدى الكِرامِ يداً خيرُ الأنامِ أبا

طَلْقُ اليَراعةِ طَلْقُ الوَجهِ طَلْقُ يَدٍ

طَلْقُ اللِسانِ إذا السَّيفُ الصَقيلُ نبا

كالبحرِ مُندَفِقاً والصُبحِ مُنبَثقاً

والسَهمِ مُنطلقاً والغيثِ مُنسكبا

سَهْلُ الخلائِقِ لا يَهْتاجُهُ غَضَبٌ

حتى تَوهَّمتُهُ لا يَعرِفُ الغَضبَا

يُغضِي عن الجَهلِ من حِلمٍ ومَكرُمةٍ

عَيناً لها لَحَظاتُ تَخرُقُ الحُجُبا

أرادَ للنفسِ وَضعاً من وَداعتِهِ

يوماً فطارَتْ بها فوقَ العُلَى رُتَبا

لا يَبرَحُ المَرْءُ حيثُ اللهُ يَجعَلُهُ

ومَنْ رأى النَّجْمَ تحتَ الماءِ قد رَسَبا

مَتَى تَزُرْ شَيخَنا المُفتِي الكبيرَ تَرَى

أبا حَنيفةَ في مِحرابهِ انتَصَبا

تَرَى التلامِيذَ تَستملي فوائِدَهُ

كأنَّهُ البحرُ يَسقِي ماؤُهُ السُحُبا

كَنْزُ العُلومِ الذي يَغنَى الفقيرُ بهِ

منَ العطَايا ويَبقَى فوقُ ما ذَهَبا

بحرٌ على أرضِ مِصرٍ مَدَّ لُجّتَهُ

فنالَتِ الشَّامَ حتى جاوَزَتْ حَلَبا

أهدَى إلينا بُيوتاً كُلَّما ضَرَبتْ

طَيَّ الحَشا وَتداً مَدّت لهُ سَبَبا

بتنا نتوقُ إلى مصر لرؤيته

ونرصد الرِّيح تأتي لنا بِنَبَا

يمثِّلُ الوهمُ هاتيكَ الديارَ لنا

حتى كأنَّا وَرَدْنا نيلَها العَذِبا

عَزَّ اللقاءُ فرَدَّدْنا رَسائِلَنا

كمن تَيَمَّمَ حيثُ الماءُ قد نَضبَا

من ليسَ يقدِرُ في وَصلِ الأحبَّةِ أنْ

يَستَخِدمَ الخيلَ فَلْيَستخْدِمِ الكُتبُا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

إلى المغارب تسعى الشمس والقمر

المنشور التالي

أقول اليوم صار الشرق شرقا

اقرأ أيضاً