نحن التراب إلى تراب نرجع

التفعيلة : البحر الكامل

نحنُ التُّرابُ إلى تُرابٍ نَرِجعُ

وهُناكَ نحصُدُ تحتهُ ما نَزرَعُ

يا جامِعَ الأموالِ طولَ حياتهِ

أينَ الذي بالأمسِ كنَّا نَجمَعُ

لو كانتِ الدُّنيا لشخصٍ واحدٍ

ما زالَ في طَلَبِ الزَّيادةِ يَطمَعُ

فإذا أتاهُ الموتُ أفرغَ مُلكَهُ

منها فصارَ بقيدِ باعٍ يَقنَعُ

مِن صالحِ الأعمالِ حَبَّةُ خردلٍ

أغنى من الكَنزِ العظيمِ وأنفَعُ

هذا رفيقُكَ في الطَّريقِ وغيرهُ

يمضي فليسَ تراهُ حينَ تُوَدِّعُ

ما لي أُنادي واعظاً وأنا الذي

أحتاجُ وَعظاً للمسامعِ يَقرَعُ

إنِّي أرى عِبَراً كأنِّي لا أرى

وإذا سمعتُ كأنَّني لا أسمَعُ

كم ناصحٍ يَنهَى أخاهُ عن الذي

هُوَ كلَّ يومٍ لا محالَةَ يَصنَعُ

ما زالَ يعذِرُ نفسَهُ في فعلِهِ

ويلومُ فاعِلَهُ عليهِ ويَردَعُ

دُنياكَ أشبَهُ بالعروسِ تَبَرُّجاً

لكنْ علينا لا عليها البُرقُعُ

فتَّانةُ الألبابِ تخدَعُ أهلَها

كالسِّحرِ يُطِغي مَن يَراهُ ويَخدَعُ

شابتْ كما شِبنا ولم يَكُ عِندنا

للزُّهْدِ والسِّلوانِ عنها مَوْضِعُ

في قلبِ كلِّ فتىً عليها صَبوةٌ

تلقَى صبابَتَها الرُّؤُوسَ فتَصدَعُ

وإذا الصَّبابَةُ خَيَّمَتْ في ساحةٍ

ضاقتْ بموكِبها الجهاتُ الأربَعُ

غَلَبَتْ صبابتُنا العُقولَ فنالنا

شِبهُ الجُنونِ بهِ نقومُ فَنُصرَعُ

والشَّيخُ أشبَهُ بالغُلامِ كلاهُما

حتَّى المماتِ بها شجيٌّ مُولعُ

يا يوسفَ الجلخِ الذي فارقْتَنا

أسفاً فِراقَ مهاجرٍ لا يَرجعُ

أنتَ الرَّخيمُ على ضَريحِكَ رحمةٌ

تَسقي ثَراهُ كما سَقتهُ الأدمُعُ

قد كنتَ ترفُقُ بالفقير ولم يكُنْ

في مالِ أربابِ الغِنَى لكَ مَطمَعُ

والأنسُ عندَكَ واللطافةُ رُبَّما

تَشفي المريضَ بطيبِ نفسٍ تَصنَعُ

خُلُقٌ تخلَّفَ عن أبيكَ وَرِثتَهُ

مذ كنتَ في الأحضانْ طِفلاً تُرضَعُ

ما زالَ يَدفَعُ طِبُّكَ الدَّاءَ الذي

لمَّا أصابكَ لم تَجِدْ ما يَدفَعُ

لبيَّتَ فَوْراً دَعوةَ المَلِكِ الذي

كلُّ النُّفوسِ لهُ جميعاً تَخضَعُ

وقَبِلتَ طَوعاً أمرَ مَن أرضيتَهُ

وعلى رِضاهُ مَضَى زَمانُكَ أجمَعُ

وكان يَبقَى مَن تَوَدُّ الناسُ أنْ

يحيا بَقيتَ ولم يَمسَّكَ مَصرَعُ

لكنْ عَهدِنا البينَ في غَفَلاتهِ

يَنسَى الذينَ حياتُهم لا تَنفَعُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لكل قلب حبيب ظل يهواه

المنشور التالي

شاب شعري نظير ما شاب شعري

اقرأ أيضاً