تَراءَت لَنا بَينَ الأَكِلَّةِ وَالحُجبِ
فَتاهَ بِها طَرفي وَهامَ بِها قَلبي
وَأَعجَبُ شَىءٍ أَنَّها مُذ تَبَرَّجَت
رَأَت حُسنَها عَيني وَلَم يَرَها صَحبي
تَلَقَّيتُها بِالرَحبِ مِنّي كَرامَةً
وَمِنها تَعَلَّمنا التَلَقِّيَ بِالرَحبِ
عَجِبتُ لِمَسراها وَأَعجَبُ بِاللِقا
فَيا عَجَبي مِمّا رَأَيتُ وَيا عُجبي
غَزالَةُ سِربٍ كُنتُ أَخشى نِفارَها
فَأَصبَحتُ مَع فَوزي بِها آمِنَ السَربِ
خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ رَفعاً لِقَدرِها
فَأَوجَبَ ذاكَ الخَفضُ رَفعي عَنِ النَصبِ
وَناجَيتُها فيما أُحِبُّ سَماعَهُ
مُشافَهَةً لا بِالتَرَسُّلِ وَالكُتبِ
لَقَد أَصبَحَتنا مِن مُدامِ خِطابِها
وَما قُلتُ إِلحاحاً عَلَيهِ أَلا هُبّي
حَمَلتُ الظَما شَوقاً إِلَيها فَساقَني
إِلى عَينِ تَنسيمٍ أَدَمتُ بِها شُربي
عَلِمتُ بِها ما كُنتُ أَجهَلُ عِلمَه
وَكُنتُ بِها أُنبا فَصِرتُ بِها أُنبي
كَسَتني مِنَ العِزِّ المُقيمِ مَلابِساً
حِساناً وَلَم تَقصِد بِذاكَ سِوى سَلبي
وَأَصبَحَ مَوتي كَالحَياةِ بِوَصلِها
فَإِن غِبتُ كانَ البُعدُ في غايَةِ القُربِ
وَكَم جَعَلَت مِنّي عَلَيَّ طَليعَةً
فَعَيني لَها في ذاكَ عَينٌ عَلى قَلبي
فَكُلٌّ يَرى شَمساً مِنَ الشَرقِ أَشرَقَت
وَتُشرِقُ شَمسُ العارِفينَ مِنَ الغَربِ
فَيا حَضرَةَ القُدسِ الَّتي مُذ شَهِدتُها
تَيَقَّنَ قَلبي بِالوُصولِ إِلى رَبّي
حَنانيكِ قَد أَشهَدتِني كُلَّ واجِبٍ
عَليَّ فَلي مِن ذاكَ شُغلٌ عَنِ النَدبِ
فَأَنتِ لَنا قُطبٌ عَلَيهِ مَدارُنا
وَأَيِّ رَحىً أَضحَت تَدورُ بِلا قُطبِ