بيان عسكري

التفعيلة : حديث

إذا اعتاد الملوك على الهوانِ

فذكرهم بأن الموتَ دانِ

ومن صدفٍ بقاءُ المرءِ حَياً

على مرِّ الدَّقائقِ والثواني

وجثةِ طِفْلَةٍ بممرِّ مَشْفَىً

لها في العمر سبع أو ثمانِ

على بَرْدِ البلاطِ بلا سريرٍ

وإلا تحتَ أنقاضِ المباني

أتاها الموت قبل الخوف منه

وكانا نحوها يتسابقان

ولو خيرتَ بينهما كريماً

فإن الخوف يخسر في الرهان

يقول لك المجرب كلُّ حرب

لها طرفان دوماً خائفان

وخوف المرء يدفعه أماماً

فيظهر كالشجاعة للعيانِ

ترى الجيشيْن من خوف المنايا

عليها يقدمان ويحجمان

بكل حديدة طنت ورنت

وكل مكيدة يتسلحان

فما لك يا بنية لم تخافي

ولم تثقي بسيف أو سنانِ؟

وما للجيش جاء بكل درع

مخافة هذه الحدق الحسان؟

كأنَّكِ قُلْتِ لي يا بنتُ شيئاً

عزيزاً لا يُفَسَّر باللسانِ

عن الدنيا وما فيها وعني

وعن معنى المخافةِ والأمانِ

فَدَيْتُكِ آيةً نَزَلَتْ حَدِيثاً

نذيراً للبريء وللمدانِ

قد امتحنوا بها عشرين جيشاً

وجازت وحدها في الامتحانِ

فنادِ المانعينَ الخبزَ عنها

ومن سَمَحُوا بِهِ بَعْدَ الأوانِ

وَهَنِّئْهُم بِفِرْعَوْنٍ سَمِينٍ

كَثَيرِ الجيشِ مَعمورِ المغاني

له لا للبرايا النيلُ يجري

له البستانُ والثَمَرُ الدَّواني

نحاصَرُ من أخٍ أو من عدوٍّ

سَنَغْلِبُ، وحدَنا، وَسَيَنْدَمَانِ

سَنَغْلِبُ والذي جَعَلَ المنايا

بها أَنَفٌ مِنَ الرَّجُلِ الجبانِ

بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ، كَثَّرَتْنا

مَنَايانا على مَرِّ الزَّمَانِ

كأن الموت قابلة عجوز

تزور الحي من آنٍ لآنِ

نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا

وتختلطُ التعازي بالتهاني

كأنَّ الحربَ للأشرافِ أمٌّ

مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ

لذلك ليس تُذكَرُ في المراثي

كثيراً وهي تُذكَرُ في الأغاني

سنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضحايا

مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنانِ

رماديِّينَ كالأنقاضِ شُعْثاً

تُحدِّدُهم خُيوطُ الأرْجُوَانِ

يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم

فَتَبْدُو سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ

يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيلٍ

إلى بابِ الكريمِ المستعانِ

يَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْف، فَاْقْرَأْ

هنالكَ ما تشاءُ من المعاني

صلاةُ جَمَاعَةٍ في شِبْرِ أَرضٍ

وطائرة تُحَوِّم في المكانِ

تنادي ذلك الجَمْعَ المصلِّي

لكَ الوَيْلاتُ.. ما لَكَ لا تراني؟

فَيُمْعِنُ في تَجَاهُلِها

فَتَرمِي قَنَابِلَها وَتَغْرَقُ في الدُّخانِ

وَتُقْلِعُ عَنْ تَشَهُّدِ مَنْ يُصَلِّي

وَعَنْ كرمٍ جَدِيدٍ في الأَذَانِ

نقاتلهم على عَطَشٍ وجُوعٍ

وخذلان الأقاصي والأداني

نقاتلهم وَظُلْمُ بني أبينا

نُعانِيه كَأَنَّا لا نُعاني

نُقَاتِلُهم كَأَنَّ اليَوْمَ يَوْمٌ

أخيرٌ ما لَهُ في الدهر ثَانِ

بِأَيْدِينا لهذا اللَّيْلِ صُبْحٌ

وشَمْسٌ لا تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ

بيانٌ عسكريٌ فاقرؤوه

فقد ختمَ النبيُّ على البيانِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

تقول الحمامة للنعكبوت

المنشور التالي

يا مدرك الثارات

اقرأ أيضاً