الحلاج

التفعيلة : حديث

عَنْزَةٌ تَتَعَثَّرُ بَيْنَ الخرائبْ

تَجُوزُ مِنَ المتحفِ الوَطَنِيِّ إلى المَكْتَبَةْ

وَتَبْحَثُ عَنْ مُصْحَفٍ أعَجَزَ النَّارَ أَنْ تَنْهَبَهْ

فَلَمَّا خَبَتْ عَنْهُ أَشْعَلَ أَحْرُفَهُ في الظَّلامْ

كَأَنَّ الزَّخَارِفَ في جَانِبَيْهِ مُنَزَّلَةٌ كَالكَلامْ

تَرَكْنَ اللَّياليْ مُشَكَّلَةً مُعْرَبَةْ

عَنْزَةٌ تَتَعَثَّرُ بَيْنَ الخرائبْ

تَجُوزُ مِنَ المتحفِ الوَطَنِيِّ إلى المكْتَبَةْ

قالَ أبو منصُورٍ الحلاَّج

حبيبي اختراعٌ لئيمْ

هُو موجودٌ ما كنْتَ خائفاً منه أو راغباً فيهْ

موجودٌ ما كنْتَ محتاجاً إليهْ

فإن غَضِبْتَ عَلَيهْ

لم يَعُدْ موجوداً

وَوَاللهِ لا يكونُ الحبيبُ إلا هَكَذَا

مجازاً يرامُ ولا ينالْ

ليسَ به نَقْصٌ ولا كمالْ

من شكَّ عندي فقد آمَن

واليقينُ ضَلالْ حبيبي مجازٌ لا يُنالْ

ليس به نقصٌ ولا كَمَالْ

أُحِبُّهُ حُباً وَرَبِّ الكَعْبَةْ

مِنْ مِثْلِهِ اْسْتَعْفَى النَّبِيُّ رَبَّهْ

وَلا أَرَاهُ آمِنَ المَغَبَّةْ

أُحِبُّ إِلْفِي وَأُحِبُّ حُبَّهْ

يَجْمَعُ لي جَفَاءَهُ وَقُرْبَهْ

كَأَنَّهُ الهِلالُ فَوْقَ القُبَّةْ

أَوِ النَّدَى بَيْنَ خُيُوطِ القِرْبَةْ

أَوْ لَمْعَةٌ مَرَّتْ بِرَأْسِ حَرْبَةْ

أَهْواهُ إِنْ يَأْبَهْ وَإِنْ لم يَأْبَهْ

هَوَىً حَوَيْتُ شَرْقَهُ وَغَرْبَهْ

وَدَمْعَ عَيْنٍ مَا كَفَفْتُ غَرْبَهْ

يا غُرْبَةَ الدَّارِ وَدَارَ الغُرْبَةْ

وَيْحَ الفَتَى إذا أَطَاعَ قَلْبَهْ

جَرَّ عَلَيْهِ قَتْلَهُ وَصَلْبَهْ

قال

لا يكون الذنب ذنباً إلا إذا تبرَّأَ منه مرتكبُه

فإن أحبه واعتقده صار قولاً له ورسالةً منه

وما نبيُّ قَومٍ ورسولهم إلا مجرماً عندهم

كانوا مؤمنين قبل أن يَتَنَبَّأْ

فلمَّا جاءَه الوحيُ انقلبوا في التاريخ كُفَّاراً

ألا تراه أوجعهم بها

ألا تراهم جرَّمُوه عليها

لكنه أحبَّ جريمته تلك

حُبُّهُ لهم جَرِيمَتُهُ في حقهم وإن أهداهم خَيْرَ الدارين

وجَرِيمَتُهُ في حقهم حُبُّهُ لهم وإن سفك دماءهم

أَحْبِبْ جريمتَكَ يا أخي تَفُزْ بها

والحقُّ حقٌّ على الوَجْهَيْنْ

نَادَيْتُ بَغْدَاداً وَأَهْلَ بَغْدَادْ

عُمْرِي إذا أَنْقَصْتُمُوهُ يَزْدَادْ

الحقّ في عَبَاءَتِي والأَشْهَادْ

ما حِدْتُ عُنْهُ طَرْفَةً وَلا حَادْ

أَوْقَفَنِي عِنْدَ التِقَاءِ الأَضْدَادْ

حَيْثُ اليَقِينُ يَلْتَقِي بِالإلْحَادْ

أنا وشَكِّي ظَبْيَةٌ وصَيَّادْ

يَصْطَادُني يَوْماً ويَوْماً أَصْطادْ

كَفاً بِكَفٍ للصَّلِيبِ نُقْتَادْ

لا سامَح اللهُ الهَوَى ولا كادْ

ثم قال حين صُلب

حَبِيبي أيُّها القَمَرُ المُنِيرُ

بِحُسْنِكَ مِنْ جَفَائِكَ نَسْتَجِيرُ

أَتَهْجُرُنَا وَأَنْتَ لَنَا أَمِيرُ

إِذَا مَا اشْتَدَّ في الدَّهْرِ النَّكِيرُ

أَيَا مَنْ نَرْتَجِيهِ في النَّوائِبْ

دَعَوْتُكَ إِذْ بَلِيتُ وَحَانَ حَيْنِي

كَطِفْلٍ ظَلَّ مَرْفُوعَ اليَدَيْنِ

لِتَرْفَعَنِي إِلَيْكَ بَغَيْمَتَيْنِ

فَلَمْ أَرَ عِنْدَمَا قَلَّبْتُ عَيْنِي

سِوَى عَنْزٍ تَعَثَّرُ في الخرائِبْ

مَا عَنْزَةٌ عَثَرَتْ بَلْ سَيِّدِي عَثَرا

ظَلَّ وَقَدْ بَرَزَ الأَعْدَاءُ مُسْتَتِرَا

يَا عَنْزَةً أَرَّقَتْ عَنْ نَوْمِهِ عُمَرَا

أَسْتَوْدِعُ اللهَ في بَغْدَادَ لي قَمَرَا

باِلكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ

ما زَالَ مَوْلايَ يُدْنِينِي وَيَرْدَعُني

أَطْلُبُ مِنْهُ ارْتِيَاحاً وَهْوَ يُوجِعُني

فَحِينَ أَيْقَنْتُ مِنْ أَنْ لَيْسَ يَسْمَعُنى

وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي لَوْ يُوَدِّعُني صَفوُ الحياةِ وَأَنِّي لا أُوَدِّعُهُ

مات أبو منصور غَيْرَ منصورٍ بالحق بين بُردَيْه

جنازتُه عَنْزَةٌ عرجاء

مات كافراً وشاكاً ومؤمناً معاً

تاركاً وجعاً كالوشم الأخضر في وجه السماء

لم يبق منه إلا فُضُولُ المستشرقين

ومُرَاوَحَةُ الشعراء يُفاصِلونَ التاريخَ في سوقِ الأقْنِعَةْ

أمَّا ما كان من أمر المندوب السامي ببغداد

فما إن عُلِمَ لَدَيْه أن أَحَدَ أهلها كان يخفي الحقَّ في عباءته

حتى أصدر مُذَكِّرةً بالقبضِ عليه

وما يزالُ الجنود يُفَتِّشونَ كل عباءةٍ تمرُّ بهم

إلى يومِ الناسِ هَذَا

يا أَهْلَ بغدادَ يا أَهْلَ المروءاتِ

الحقُّ فيكم صحيحُ الوَصْفِ والذَّاتِ

لا في الأَرَاضِي ولا فَوْقَ السَّمَاواتِ

يا بَارَكَ اللهُ في تلكَ العَبَاءاتِ

يا قَطْرَةً كُلُّ بَحْرٍ مِنْكِ مُغْتَرَفُ

قُولُوا لمن أَرَّقَتْهُ عثْرَةُ الشَّاةِ

كم عَثْرَةٍ كَشَفَتْ طُرْقاً خَفِيَّاتِ

ما غَيْرُكُمْ سَوْفَ يَأْتِي بِالإِجَابَاتِ

فَرُبَّ مَكْسُورَةٍ تَهْدِي الصَّحِيحَاتِ

هَدْياً وَرُبَّ صَلاحٍ جَرَّهُ التَّلَفُ

هَلْ يَسْمَعُ الصَّوتَ مَنْ في مِصْرَ والشَّامِ

إنَّ أَصَحَّ الجِراحِ الظَّاهِرُ الدَّامِي

يا كاتِمَ الجُرْحِ مِنْ عَامٍ إلى عَامِ

فَلْيَعْرِفِ المرءُ مَنْ مَنْدُوبُهُ السَّامِي

فإنَّها سُبَّةٌ أن يُعْبَدَ الخَزَفُ

كُفًّوا لِسانَ المراثي إنها ترفُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

جارة

المنشور التالي

مقام عراق/ المحرم

اقرأ أيضاً

حييتما من مربع ومصيف

حُيِّيتُما مِن مَربَعٍ وَمَصيفِ كانا مَحَلّى زَينَبٍ وَصَدوفِ وَكُسيتُما زَهرَ الرَبيعِ وَعُشبَهُ مُتَآلِفينَ بِأَحسَنِ التَأليفِ فَلَقَد عَهِدتُكُما وَفي…