نحا البين في تشتيت شملي مقاصدا

التفعيلة : البحر الطويل

نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا

فسَدَّد رَمْيا نافِذا ليس نافِذا

كأنّ فؤادي بينهم تحتَ أسهمٍ

تُشمِّر عند الرَّمْىِ منها الحَدائدا

رَمانِي فأَصْمانِي وأَغْرَق نَزْعَه

وكَرَّر حتى كَلَّ كَفّا وساعِدا

وسَدَّ الفضا بالنَّبْلِ حتى أعَادَني

أَسيرا إليها أَيْنَما كنتُ حائدا

وما أنا إلا السيف فارَقَ غِمْدَه

ولمْ يْلفِ بعدَ الضربِ والقَطْع غامِدا

فوارَتْه أَصْداءُ النَّدَى فأَعَدْنَه

كما غادر الدهرُ الطُّلولَ البَوائدا

كأنَّ الليالي أَقْسمتْ بأَلِيَّةٍ

تؤكدها أنْ لستُ للثغرِ عائدا

ولا نَظرتْ عيني إلى الروضةِ التي

تَحوك يدث الأَنْواءِ فيها مَجاسِدا

ولا ارتضتُ في تلك الرياضِ كعادةٍ

عَدَتْني ولا شاهدتُ تلك المشاهدا

فيا حَبَّذا ذاك الخليجُ الذي له

من الحُسْن ما يُلهِى عن الشُّرْب وارِدا

وقد راقَ لما رقَّ عذبُ زُلالِه

فأصبح ملآنَ المَواردِ زائدا

تَرى منه تحتَ الريح دِرْعا وجَوْشنَا

وسيفا بلا غمد إذا كان راكدا

كأن الصَّبا لما أَثارتْ حَبابه

تُمرُّ على سيفٍ حديدٍ مباردا

تُرى جاورت أرضَ السوارى فَرائِدٌ

من القَطْر عادت في النبات فرائدا

وهل أظهرت في ظاهر الحسن روضة

إلى ربوة ابن العاص منه فصاعدا

إلى جانبَي قصرِ الدخان مغربا

إلى المُقْس رَوى العهدُ تلك المعَاهِدا

وهل قَلدتْ جِيد القليدة بعدنا

يدُ الغيثِ من زَهْرِ الربيع قلائِدا

منَابِت أزهارٍ يكرر نشرُها

على القْطرِ شكراً ذائعا ومَحامدا

تخطّ يد الأَنواءِ فيها صَحائفا

فيُنْشِدها راوِى النسيمِ قَصائدا

فللهِ ذاك الروضُ للغيثِ مادِحا

وللهِ ذاك الغيث للروض رافِدا

كنوز بَدَتْ لولا ذبولٌ يُصيبُها

لأَصبحَ ما عند الصَّيارفِ كاسِدا

كأن الأَقاحي والبَهار دراهمٌ

خِلال دنانيرٍ تُقابل ناقِدا

وللسَّوْسَن المفتوحِ أبواقُ فضة

تُقابل من حمرِ الشَّقيق مَطارِدا

فلم أرَ جمرا قبله مُتلهِّبا

إذا لمستْه الكفُّ أَلفَتْه باردا

وإن نَثرتْ أوراقَه الريحُ خِلْتَها

قُصاصةَ حُمْرِ اللاّذِ صِيغَتْ رَفائدا

شُنوف عقيقٍ صِيغَ من سبج لها

مَعاليقُ ما باشَرْن فيها مَعاقدا

فَرَاشٌ على أجسادها الدمُ جاسِدا

وقد قَرَّ في قِمّاتِها القارُ جامدا

مَواطِنُ صيدٍ بين وَحْشٍ وطائرٍ

وحيتان لُجٍّ ما تُخيِّب صائدا

يُقابل منها كلَّ جنسٍ بآلةٍ

فما فات مطرودٌ هنالك طارِدا

تُبكِّر في أَرزاقِها وهْي رزقنا

غَدَوْنا له نعتَدُّ تلك المَكايدا

فلم يَبْدُ قرنُ الشمسِ إلا وبيننا

شُموسٌ لها جَمْرٌ تُبيد الأَوابدا

وفي كل قُتْرٍ للقُتار رَوائحٌ

تَفوح فتَسْتَدْنِي على البُعْد رائِدا

لقد مَلَك الإسكندرُ الأرضُ وانقضى

وأَبَقى له الإسكندريةَ شاهدا

فَدَلَّتْ بما فيها على عُظم مُلْكه

وأَبقتْ له ذِكْرا مع الدهر خالدا

بباطِنِها أضعافُ ما فوقَ ظهرِها

من الحِكَم اللاتي بلغْنَ الفَراقِدا

رحلتُ إلى الفُسْطاط عنها بِغرَّةٍ

فها أنا في قيدِ النَّدامة واجدا

كآدمَ والشيطانِ لما اسْتَزلَّة

عن الخُلْد للدنيا الدَّنية حاسدا

فها أنا باكٍ مثل ما كان باكيا

مُكابِد ما كان قبلي مُكابِدا

أَسيرُ اغترابٍ واشتياقٍ كأنني

أُصارع أُسْدا منهما وأَساوِدا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أأحبابنا بالثغر ما كان من بعدي

المنشور التالي

لا تفرحن برتبة

اقرأ أيضاً