هجر العذول وراح طوع غواته

التفعيلة : البحر الكامل

هَجَر العذولَ وراح طَوعَ غُواتِه

ورأى قبيحَ الغَىِّ منْ حَسناتِهِ

للحبِّ حَبةُ قلبِهِ فكأنّه

من ذاتِها وكأنها من ذاتِهِ

وغدا غَريمَ غرامِه من مُقْلَتَيْ

رَشَأٍ كمالُ الحُسْنِ بَعضُ صِفاته

يبدو على الورد الجَنِيِّ إذا بَدا

خجلٌ من التقصيرِ عن وَجَناته

والغصنُ يَقْلَق في الكثيب تَذَرِّيا

بيَسيرِ ما يَحْكِيه من حركاته

يمشي فيَلقَي خصرُه مِن رِدْفِه

مثلَ الذي ألقاه من إعناته

وكأنّ نَمْلَ عِذَاره قد خاف أن

يَسْعَى به فيزلّ عن مرآته

لا ترْعِ طَرْفَك خُضْرةً بَدَرتْ به

فمصَارعُ العُشَّاقِ بين نَباته

مثلُ الحُسامِ تروقُ خُضْرةُ جوهرٍ

في مَتْنِه والموتُ في جَنَباتِه

من لونِه ذهبٌ وأيُّ مَثوبةٍ

يَحْظَى بها لو خَصَّني بزَكاته

ولقد سَقاني من كؤوسِ غَرامِه

أَضعافَ ما اسْتعذبتُ من رَشفاتِه

وحياتِه قَسَما أُعظِّم قَدْرَها

وكَفاكَ أَنْ أَكُ مُقْسِما بحياته

لأُخالفَنَّ عَواذِلي في حُبِّه

ولأُسْخِطَنَّ الْخَلْقَ في مَرْضاته

ولأَقْنَعَنَّ من المُنَى بخيالهِ

زُورا يُمَنِّينى بخُلْفِ عُداته

لا تنكرنّ السحرَ فهْو بطَرْفِه

ودليلُه ما فيّ من نَفثاتِه

سقَمى يُثبِّت ما ادّعَتْه جفونهُ

سَلْني فإني من ثِقاتِ رُواته

يَفْنَى أسيرُ الحبِّ قبلَ فَنائِه

بسقامِه ويموتُ قبلَ مَماته

وعَذابُه عَذْبٌ ولكنْ لا تَفِى

لَذّاتُه بالنَّزْرِ من آفاته

قد كنتُ أَحْذَرُه ولكن غَرَّني

فأعادَني هَدفَا لنَيْلِ رُماته

وقضَى لفَيْضِ مَدامِعي بِسجامِه

ودوامِه وفراقِه وثَباته

فكأنه فيضُ النَّوالِ مقسَّماً

في الخَلْق من كَفَّىْ أبى بَركاته

جَمَعتْ تَفاريقَ الفضائِل نفسُه

فالوصفُ يَقْصُر عن مدى غاياتِه

في طبعِه عَصَبيةٌ مع نَخْوة

أبداً يفضلها على لذاته

الفضلُ بعضُ صِفاتِه والحمدُ بع

ضُ رُواته والجود بعض هِباته

والعزم من آلاتِه والحزم من

أدواته والشكر من أَقْواته

إنْ كان حاجتُك النجومَ تَنالُها

أو فوقَ ذاك من المكارم فَاتِه

وإذا سألتَ فنَمْ فهِمَّتُه بها

كالبَيْنِ بين جُفونه وسِناته

وانظرْه عند سؤالِه فلِوجههِ

خَفرٌ يشوب البِشْرَ في صَفحاته

ويودّ لو يبدو لحاجةِ سائلٍ

من قبل أنْ تُجْرَى على لَهَواته

أنا من أجال الدهرُ فيه صُروفَه

فاختصَّني بالصَّعْب من نكباته

وفَرَتْه أنيابُ النوائب واغتدتْ

فيه الحوادثُ من جميع جهاته

وتَحيَّف الحدثانُ قَصَّ جناحِه

لوُجُود غُرْبِته وفَقْدِ ثِقاته

فَلَجا إلى حَرَم ابنِ عثمانَ الذي

لَبَّت له الآمالُ من مِيقاته

فَقضَيتُ تَطْوافي بكَعْبِة جُوده

وسَعَيت ثم وقفْت في عَرَفاته

ودعوتُ هِمَّته هناك فلم يَخِب

ظني لمَا أبديتُ من دَعواته

ورجعتُ قد ظفرتْ يداي بجاهه

وبقُربه وبوُدّه وصِلاته

ولقيتُ ما سرَّ الصديقَ وساء من

عادَي فأَخْزاهُ عَقيبَ شَماته

لله أيُّ صنيعةٍ قُلِّدتُها

من فضِله المألوفِ من عاداته

فضلٌ أَنافَ على المعالي فَرْعُه

قَدْرا وطيبُ ثَناه من ثَمراته

لا زال خاطرُ ربِّ كلِّ فصاحةٍ

يُهْدى إلى عَلياك من حَسناته

فيُفيد أفرادَ الجواهرِ بهجةً

وتَطيب ريحُ المِسْك من نَفَحاته

مدحٌ تكرِّره الرواةُ ومُطرِبُ الأل

حانِ والحادِي لدى فَلَواته

وبقيتَ ما بقي الزمانُ مكرما

وثَناك مكتوبٌ على جَبَهاته


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

غدا بالثغر لي ثغر شتيت

المنشور التالي

يا صاح أين مضى قلبي فأطلبه

اقرأ أيضاً