يا صاح أين مضى قلبي فأطلبه

التفعيلة : البحر البسيط

يا صاحِ أينَ مضى قلبي فأطْلُبه

قد غاب مُذْ غاب عن عيني وأندُبه

قد كنتُ أَندُب قلبي بعد ساكنه

فصرت أندب أحبابي وأنُدبه

قد كنتُ حَذَّرتُه من فِعْلِ غادرةٍ

فذاقَ ما كنتُ أخشاه وأَحسَبه

عجبتُ كيف ضلوعي منه خاليةٌ

لكنَّها ما خَلا منها تَلهُّبُه

هو الذي غايةُ الأهوالِ أَهْوَنُه

صعوبةً وأَمَرُّ الصَّابِ أَعْذَبُه

بالرغمِ ما كابدَتْ بعد النَّوَى كَبِدى

وبالضرورة من قلبي تَقُّلبه

قد مَلَّني الليلُ مما بِتُّ أَسْهَرُه

ورَقَّ لي النجمُ مما بتّ أرقُبه

قد شِبْتُ في طولِ هذا الليلِ من أَسفٍ

أَمَا يَلوح له صبحٌ يُشيِّبه

كأنما الليلُ يُغْشى الصبحَ مَغْرِبه

فكلَّما هَمَّ أَنْ ينشقّ يَشْعبُه

أو النجومُ عِطاشٌ وهْوَ مَوْرِدُهم

فكلَّما فاض نورٌ منه تَشْربه

تُرَى يزولُ بِعادٌ صار يُبعِده

عني ويَرجِع لي قُرْبٌ يُقرِّبه

للهِ دَرُّ لَيالٍ كُنَّ من قِصَرٍ

يأتي أَوائُلها بالصُّبْحِ يَجْنُبه

وما تَغنَّت حَماماتُ العَشىِّ لنا

إلا وجاوَبها في الصُّبْحِ مُطْرِبهُ

وللصَّبا خَلَلَ الأغصانِ وَسْوَسةٌ

كالصَّبِّ للحِبِّ يشكوه ويُعْتِبه

والروضُ يَبْعَثُ مِسْكا من نَوافِجِه

والطَّلُّ يَفْتُقه والريح تَجْلبِه

وقد تَبسَّم نَوْرٌ من كَمائِمه

فَلاحَ فِضيُّه الزاهي ومُذْهَبه

وقد تَبدَّتْ دنانيرُ البَهار على ال

كثبانِ تُطْرِف رائيها وتُعْجِبه

صفرٌ كناظِرَتَيْ ليثٍ تَكنَّفَه

ليلٌ وقد حان من صيدٍ تَوثُّبه

وللشَّقيقِ احمرارٌ حين أَخْجَله

ضَحْكُ الأَقاحيِّ حتى كاد يُغْضِبه

كَوَجْنةِ التَّرِف المعشوقِ نَقَّطها

بالنَّقْشِ فارتاع أنْ يدرِي مُؤَدِّبه

والغصن يرقُص والدُّولاب زامِرهُ

وللضفادعِ إيقاعٌ تُرتِّبه

والماءُ قد عَبِثتْ كفُّ النسيمِ به

كسيفِ مرتعِشٍ أَضْحَى يجرِّبه

والليلُ زَنجيةٌ وَلَّتْ وقد نَشَرتْ

من شعرها وافرَ الفَرْعين تَسْحَبه

والبدرُ في الأفُق الغربيِّ متسقا

والغيمُ يكسوه جلبابا ويسلبه

كخدِّ محبوبةٍ تبدو لعاشِقها

فإنْ بَدا لَهما واشٍ تُنَقِّبُه

وأقبل الصبحُ كالسلطان في بَهَج

يُدْلِي على الجوِّ أنوارا تُجَلْبِبه

كأنه غُرَّة المُختارِ حين بَدا

يَحُفُّه في جيوش النصرِ مَوْكِبُه

عيني التي ظَلمتْ قلبي بما جَلَبت

له وأظلمُ من عيني مُؤنِّبه

يا عاذِلي أين سَمْعي منك وهْو إذا

تَبيَّن الرُّشْدَ من لومٍ يُكذِّبه

يَعي بقيةَ سِرٍّ كان أَوْدَعه

عندَ الغرامِ نَقىُّ الثَّغْرِ اَشْنَبُه

فعافَ كلَّ كلامٍ بعد مَنْطِقِه

وزاد عن لفظِ من يَلْحَى تَجنُّبه

لو لاح بابُ خَلاصِى كنتُ أدخلُه

أو ذلَّ ظهرُ جوادِي كنت أركبه

فالدهرُ يُسْرِع في عالي أوامرِه

والسعدُ يَتْبَعُه والعزُّ يَحْجُبه

مَلْكٌ تُطيع العَوالي أمَره أبدا

فالسيفُ والدهرُ يَخْشاه ويَرْهَبه

فالرمحُ يهتزُّ تِيها حينَ يَرْكُزه

ويزدَهي الطِّرْفُ عُجبا حينَ يَرْكبه

فذا على قمم الأبطالِ يَرْكُضه

وذاك من مُهَج الأٌقرانِ يَخْضِبه

نَجابَةٌ من نَجيب الدولة اجتمعَتْ

فليس يَعْدم تَصْديقا مُلَقِّبه

ذو راحةٍ عُرِفت بالعُرْف لو لَمَسَتْ

صخرا لأَثْمَر عند اللمسِ أَصْلَبه

عَجِبتُ منها وما الإمساك عادتها

فكيف تَحْوى عِنانا حين تَجْذبه

فالنيلُ والبحر من جَدْواه في خَجَل

والسُّحْب تَحْقِر ما تَهْمِي وتَسْكُبه

ولو رأى حاتمُ الطائيُّ أَيْسَرَ ما

يُعْطِي لأيقنَ أنَّ الشُّحَّ مَذْهبُه

ول وُصفتَ لقُسٍّ كنتَ تُفْحِمه

ولو ذُكرتَ لعَمرٍ وكنتَ تُرْعِبه

أَضَحَتْ بعَدْلِك أرضُ الشرق مُشْرِقةً

ثم انْجلى عن ظلامِ الليل غَيْهَبُه

فكلُّ طالبِ بَغْىٍ منك في حَرَجٍ

أجَلُّ عفوِك عنه حين تَصْلُبه

فللمُؤِالفِ إنعامٌ يقابلُه

وللمُخالفِ سَيَّافٌ يُعَصبِّه

وسار خوفُك في بَدْوٍ وفي حَضَرٍ

فلم تَدَعْ منهما من لا تُهذِّبه

حتى انتهى عن ضعيفِ الوحش أَغْلَبُها

ونام في أُجُمِ الآسادِ رَبْرَبه

بمن نُشبِّه في الدنيا فَضائَلك ال

عُليا فنُدْنِيه منها أو فنَنْسُبه

وما تركتُ بلادي معْ رَغيبتها

إلا وجودُك بالإحسانِ يوجِبُه

هذا على أنّ شعري غيرُ مبتَذَلٍ

فيمن سواك ولو أَضْحى يُرغِّبه

لي همّةٌ تهجر المرعى الدَّنىَّ على خِصْبٍ

وتأتي العُلَى لو لاح أَجْدَبه

وقد قَصدتُك والدنيا ومَن جَمَعتْ

كلٌّ يُسدِّد رأيي بل يُصوِّبه

فاخطُب وصَلِّ وعَيِّدْ راقيا رُتَبا

يُضْنِي حَسودَك مَرآها ويُكْرِبه

لا زلتَ تبقَى جمالاً للوَرَى أبدا

ما أصبح الدهرُ يُدْنِيه ويُقْربِه


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

هجر العذول وراح طوع غواته

المنشور التالي

يا ناظرا يعجب مما رأى

اقرأ أيضاً