.کان هناك فتی صغیر یعیش مع نبي الله موسی علیه السلام، وفي یوم من الایام قام نبي الله موسی خطیبا في بني إسرائيل، فئل : أي الناس أعلم؟ فقال : أنا.
فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فقال له : بلى ، إلى عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك .
قال : أي رب ومن لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله فی مكتل، حیثما فقدت الحوت فهو ثم، وأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه یوشع بن نون . .
فكان هذا الفتی هو یوشع بن نون الذي صحب موسی علیه السلام في تلك الرحلة المبارکة الطلب العلم . . وکان موسی عليه السلام يعده ویربیه و یعلمه ففاز يوشع عليه السلام بصحبته وجنى الثمرات الكثيرة من ورائها.
بنو اسرائيل ينقضون العهد مع موسى عليه السلام
كان الله قد أمر موسى أن يجند بنى إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء، كما قال الله سبحانه وتعالى :
ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ..وهكذا نرى العهد مشروطا بميثاق أخذه الله عليهم، أن يقاتلوا ولا يفروا، وأن يقيموا الصلاة ويزتوا الزكاة ويؤمنوا برسله كلهم . ولكن كعهد اليهود دائما .. خونة، وأصحاب مصالح، لا یوفون بعهد الله آبدا، فقد آنکروا، وغیروا،
ورفضوا الوفاء بالعهد، وكذبوا الأنبياء وهم يعلمون.
لقد رفضوا أن يدخلوا مع نبى الله موسى عليه السلام لما آراد آن یحرر بیت المقدس من آیدی الجبابرة.
یوشع یتولی الحکم والنبوة بعد موسى عليهما السلام
توفي هارون علیه السلام ثم توفي موسی علیه السلام بعده بثلاث سنوات وأقام الله فيهم يوشع بن نون علیه السلام، نبیا خلیفة عن موسی بن عمران ومات أكثر بنى إسرائيل هنالك في تلك المدة ، ويقال : إنه لم يبق منهم احد سوی یوشع و کالب … فلما انقضت المدة، خرج بهم یوشع بن نون علیه السلام او بمن بقی منهم وبسائر الجیل الثانی ، فقصد بهم بیت المقدس فحاصرها، فکان فتحها يوم الجمعة بعد العصر.
النبي صلى الله عليه وسلم یصف لنا كيف فتح یوشع ( عليه سلام) بيت المقدس
ولقد وصف لنا النبي محمد عليه السلام وصفا دقیقا عن کیفیة فتح یوشع علیه السلام البیت المقدس .
لقد حرص نبی الله یوشع عند انطلاقته لفتح المدینة التي يقصدها على أن يكون جيشه قويا متماسكا، ولذلك آخرج من جیشه المقاتلین الذین قد یکونون سببا في الهزيمة، لانشغال قلوبهم إنشغالا كبيرا بمسائل الدنيا التي لا يستطيعون التخلص من إعمال قلوبهم وعقولهم بشأنها، فقد استثنى ثلاثة أصناف من المقاتلين وأمرهم بعدم الخروج معه.
الصنف الاول: الذي عقد نكاحه، ولم یدخل بزوجته، ولا شك أن هذا الصنف يكون متعلقا قلبه بزوجه أشد التعلق ، وبخاصة إذا كان في مرحلة الشباب .
والصنف الثانى: المشغول ببناء لم يكمل بناءه بعد.
والثالث: الذی اشتری غنما او نوقا حوامل وهو ینتظر أن تلد أو تُنتج .
إن المبدأ الذي اعتمده هذا النبى يدل على أنه قائد فذ، صاحب نظرية في قيادة الجيوش وإعدادها للقتال الذي یکون به النصر، . . ان الجیوش لا تنتصر بکثرة عددها،بل بالنوعية التى تقاتل ، فالنوعية أهم من العدد والكمية .
ولذا أخرج من جيشه المشغولى القلوب ، الذين يكونون في أرض المعركة وقلوبهم معلقة بالزوجة التي سيدخل بها، أو البناء الذي سيسکنه ، أو الماشية والانعام التي ستلد وتنتج.
یوشع علیه السلام يخاطب الشمس
خرج یوشع بجیشه متجها الی القریة التي یرید غزوها، فدنا من القرية في عصر ذلك اليوم، ومعنى ذلك أن فرصته في فتح المدينة ليست قوية، لأن القتال في الليل ليس سهلاً، وقد يكون ذلك اليوم يوم الجمعة، وعليه أن يوقف القتال إذا غربت الشمس ، لأن دخول الليل يعنى دخول يوم السبت ، والقتال مُحرم على بنى إسرائيل فى يوم السبت، ومعنى ذلك أنه سيعود عن القرية قبل فتحها، وهذا سيعطى أهل القرية فرصة لتقوية جيشهم ، وإصلاح أسوارهم، وإعداد المزيد من السلاح ، فتوجه يوشع إلى الشمس مخاطبا لها قائلاً: إنك مأمورة، وأنا مأمور، ثم دعا ربه قائلاً: اللهم أحبسها علينا ، ، ، واستجاب الله دعاءه ، فأخر الغروب حتی تم النصر
وفى ذلك يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما حبست الشمس علی بشر قط الا علی یوشع بن نون لیالی سارالی بیت المقدس.
من تواضع لله رفعه الله
قال صلى الله عليه وسلم ( من تواضع لله رفعه الله).
فانه لما دخل يوشع عليه السلام فاتحا منتصرا امر بنی اسرائیل آن ید خلوا مدینة بیت المقدس سجداً – اي : رکعا متواضعين – شاکرین الله عز وجل علی ما من به علیهم من الفتح العظیم الذي کان الله وعدهم إياه ، وأن يقولوا حال دخولهم : (حطة) أي: حط عنا خطايانا التي سلفت ، من نکولنا الذي تقدم منا.
ولهذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم فتحها، دخلها وهو راکب ناقته وهو متواضع حامد شاکر، ثم لما دخلها اغتسل و صلی ثماني رکعات وهي صلاۃ الشکر علی النصر، وأما بنو إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولا وفعلاً، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون : حبة في شعرة ، وفي رواية : حنطة في شعرة .
الجزاء من جنس العمل
ولم تكن هذه الجريمة هي أول جرائم بني إسرائيل ولا آخر جرائمهم، فقد عذبوا رسلهم كثيراً بعد موسى عليه السلام، وتحولت التوراة بين أيديهم إلى قراطيس يبدون بعضها ويخفون أكثرها ، وامتد هذا اللعب إلى العقيدة ، وأخبر الله سبحانه عنهم بهذا فقال عز وجل :
( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) .
رجع بنو إسرائيل مجددا إلى ظلمهم لأنفسهم ، ظنوا أنهم شعب الله المختار، وتصوروا انطلاقا من هذا الاعتقاد أن من حقهم ارتکاب آي شیء و کلی شيء، وعظمت فيهم الاخطاء و تکاثرت الخطایا وامتدت الجرائم ہعد کتابهم الى أنبيائهم، فقتلوا الأنبياء الله، و قست قلوبهم حتی عميت ، وتطاول علیهم الزمن فقالوا: قلوبنا غلف ، قال سبحانه وتعالى :
(فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا)
تسليط الملوك الجيارين عليهم
فسلط الله عز وجل عليهم بعد رحمة الأنبياء ملوكا جبارين يسفكون دماءهم ويظلمونهم ويدقونهم اشد العذاب ، ، وسلط الله عز وجل أعداءهم عليهم ومكن لهم من رقابهم وأموالهم.
وكان معهم تابوت الميثاق ، وهو تابوت يضم بقية مما احتفظ عليه موسى وهارون ، ويحكى : ان هذا التابوت كان يجمع ماتبفى من آلواح التوراة التي أنزلت علی نبي الله موسی (عليه السلام)
ونجت من يد الظالمین منهم والمفترین ، وکان لهذا التابوت بركة تمتد إلى حياتهم وحروبهم ، فكان وجود التابوت بينهم في الحرب يمدهم بالسكينة والثبات ، ويدفعهم الى النصر ، فلما ظلموا أنفسهم ورفعت التوراة من قلوبهم المتحجرة لم يبفى هنالك معنى لبقاء نسختها معهم ،وهكذا ضاعت من بين ايديهم تابوت العهد، وضاع في حرب من حروبهم التي هزموا فیها.
وهنا . . مات نبي الله یوشع بن نون ، ذلك القائد الفذ الرباني الذي استطاع بالإخلاص أن يقود بنى إسرائيل الی نصر کان عزیزا آن، یحفقوه …
وحان وقت الرحيل
ولما استقرت ید بنی اسرائیل علی بیت المقدس استمروا فیه، و بین آظهرهم نبي الله یوشع یحکم بینهم بکتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فکانت مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة .