لله سرّ في الأنام مطلسم
حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ
في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً
ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما
نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه
لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه
بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف
والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى
والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه
فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ
للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن
تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا
ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة
فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه
لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة
يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً
يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل
طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً
بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً
عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً
وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه
فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى
ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة
وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة
يعنو السفيه لها ومن يتحكّم