راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ
وواصَلَ الظبي بعدما هَجَرَهْ
ظبيٌ دعا قلبَ هائمٍ كلفٍ
مؤتمِرٍ قلبُهُ بما أمره
يؤنِسُهُ حُسنهُ ويوحشهُ
قبحُ أفاعيله إذا ذكره
مازال يدعوه من محاسنهِ
داعٍ إذا سوءُ فِعلِهِ زَجره
لا الوصلُ يصفو له وإن عزم ال
هِجرانَ غال النزاعُ مصطبره
يدنو فيُقصَى فإن نَأى أنفاً
بات يباري بكاؤهُ سهرَهْ
ألقاه في حيرةٍ محيِّرةٍ
فما يرى وِردَهُ ولا صَدَرَهْ
ظبيٌ وما الظبي بالشبيه به
في الحسن إلا استراقَه حَوره
وحسنَ أجياده وغُنَّتِهِ
ونفرةً فيه مِن رُقَى الفَجَره
محاسنٌ كلهن مسترقٌ
منه وكلٌّ رآه فاغتفره
سخّاه عن رُزءِ ذاك أنَّ له
حُسناً إذا قاسه به غمره
وكلُّ رزء فإنَّه جَلَلٌ
إذا المبقَّى لأهله كثَرهْ
يا ليت مِن عفوه لعاشقهِ
بل ذاك شيء عليه قد حظرهْ
يصفح عن لصّهِ جريمَته
وهْو لنعماه أكفرُ الكَفره
ولستُ أنفكُّ من معاتبةٍ
بغير ذنب موازِنٍ وبَره
يا عجباً من مُعذِّبي عجباً
عُجبي به ضِعفُهُ فقد هَدَره
سوَّغ ما نِيل من حُلاه ولو
يسأله الصبُّ قُبلةً نَهره
كما أجاع الوشاحَ حين تَردْ
دَاهُ وقد كظَّ مِئزراً وَزره
بالله يا إخوتي سألتُكُمُ
أليس مولاي أجْوَرُ الجَوَره
أضحى وسيف العداء في يدهِ
عليَّ دون الأنام قد شَهره
إن عض خلخالهُ مُخلْخَلَهُ
أو شفّ عقدُ الإزار مؤتَزره
أقبل ظُلماً عليّ يشتمني
كأنني كلُّ واترٍ وَتَره
وقد رأى شيبةً فأنكرها
وتلك من فعله لو اعتبره
شَيّبَني من هواهُ ما نَهك ال
جسمَ فماذا ترونَهُ نَكِره
ألم ترعهُ محاسنٌ نَحلتْ
وراعه أن تنكَّرتْ شَعَره
أبصر بيضاء في القَذالِ فلا
نَفْرٌ كنفرٍ رأيتُهُ نَفَره
أعجِبْ بمن يقتل الرجال وإن
لاحَ له شخص شيبةٍ ذَعره
لا يظلمنِّي ولا سِنى ولا
يظلم خلاخيله ولا أُزرَه
فربَّ شيبٍ بعاشقٍ وبِلىً
قد برَّأ الله منهما كِبرَهْ
ما شَيَّبت رأسهُ السنون ولا
أبلتهُ بل حَرُّ وجدِهِ صَهره
ورب ضيقٍ بملبسٍ وهو ال
سَابغ لكنَّ قِرنَه قَهَره
قد أوسع الحِجْلُ والإزار لهُ
فزاد ما ضُمِّنا على الحَزَره
ومِن تَعدّيه أنه أبداً
يعتدُّ نفعاً لعبده ضرره
يعتدُّ ما يعمِد الشقي بهِ
نيلاً ولم يَعْدُ نفعُهُ بصره
فإن رأى في المنام هفوتهُ
غضّ من الطرف عنه أو شَزره
يعتدُّ إبداءهُ محاسنَهُ
نَيْلاً لحرَّانَ هَيَّجت حَسَره
إذا نهتْ عن هواه غلظتُهُ
دعا إليه برقةِ البشره
ولحْظِ عينين لو أدارهما
لفارسٍ في سلاحِهِ أسره
نِضْوَى سَقامٍ يقود ضعفُهما
له شدادَ القلوب مُقتَسره
من خُنْثِ جفْنيهما وغُنْجهما
تعلَّم السحرَ ماهرُ السَّحره
ومُضْحكٍ واضحٍ به شَنبٌ
يعرف من شام برقَهُ مطره
يضمن للعين طيب ريقتهِ
ثغرٌ يباري نقاؤهُ أَشَرَه
ينعت لألاؤُهُ عذوبتَهُ
وليس يُخفى نسيمُه خَصره
لو ضاحك المَزنَ عنه ضاحَكَهُ
عن برقه مُسبلاً له دِرره
وصحنُ خدٍّ حريقُهُ ضَرِمٌ
يقذف في القلب دائماً شرره
لا ماءَ إلا رضابُ صاحبِهِ
يطفىء عن قلب ناظِرٍ سُعرَه
أعاره الوردُ حسن صِبغته
بل صِبغةُ الورد منه معتصره
وفاحمٍ واردٍ يقبِّل مَم
شاه إذا اختالَ مُسبِلاً عُذرَهْ
أقبل كالليل من مفارقِهِ
مُنحدِراً لا تَذمُّ منحدره
حتى تناهَى إلى مَواطئهِ
يلثِم من كل موْطئٍ عَفَره
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً
حتى قضى من حبيبه وَطره
تغشَى غواشي قرونه قدماً
بيضاءَ للناظرين مقتدره
مثلَ الثريا إذا بدت سَحراً
بعد غمامٍ وحاسرٍ حَسره
وجيدِ إبريقِ فضةٍ دأبَ ال
صوَّاغُ حتى اصطفى له نُقَره
يتخذ الحَلْيَ كالنميمة لا ال
زينة من حسنه الذي جَهره
وحسنِ قدٍّ أجاد قادرُهُ
قدْراً فما مَدَّه ولا قَصَره
عُدِّل حتى كأنه غُصنٌ
من خير ما أنجبتْ به شَجرهْ
يحمل ثديين خَفَّ ثِقلُهما
جداً فلا آده ولا اهْتَصره
محاسنُ الناس من محاسنه
منسوخةٌ في الحسان مختصره
كأنما الله حين صَوّرهُ
خَيَّرَه دونَ خلقهِ صُوَره
أغيدُ لم يرتعِ الخَلاء ولا
خالط غِزلانَه ولا بقره
يكفيه رعي الخلاء أنَّ له
من كل قلبٍ مُمنَّعٍ ثَمَره
كم من شفيقٍ عليّ ظَلَّمَهُ
ولو رأى حسنَ وجهه عذره
وناصرٍ لي عليه لو هَتفتْ
به دواعيه مرّةً نصره
دعْ ذكره إنّ ذكره شعفٌ
وامنحْ من المدح سالماً غُررَه
الواحد الماجد الذي عدم ال
مِثْل فلم يلق ماجداً عشره
الوارث المجد كلّ أصيدَ لا
يدفع تيجانه ولا سُرُرَه
القائل الفاعل الموارعَ لا
يشكو العلى بخله ولا حَصره
ذا المستقى الطيب القريب وذا ال
غور الذي لا تناله المَكَره
المانح السائل الرغائبَ وال
غائل مِسبارَ كلِّ من سَبره
ذا المِرة الشَّزْرِ والمتانة وال
عقدةِ تحت السجية اليَسره
ذا اللين سائل به المَلاين وال
شِدّة سائل به من اعْتَسره
الآخذ الخطة الرضيّة وال
تارك ما الحظ فيه أن يذره
ذا الكرم العذب والمُناكرة ال
مرّة إن هاج هائجٌ وغَرهْ
ما ذاق شهداً أجل ولا صَبِراً
من لم يذق شهده ولا صبرَه
الأسدَ المستعدَّ منذ دَرَى
أن الزُّبَى للأسود محتَفره
العارض المستهلّ منذ رأى
أنّ العلى في الكرام مبتَدره
الراجح العفّ في كتابته
إذ في سواه نقيصةٌ وشَرَهْ
يرى مكان البعيد من دغلِ ال
مُدغِل والمستسِرِّ في الجحرَهْ
أحاط علماً بكل خافيةٍ
كأنما الأرض في يديه كُرَهْ
مَهْ لا تَعُدَّن من ينابذهُ
له عُداةً وعُدَّهمِ جَزره
كلا ولا طالبي فواضلهِ
له عُفاةً وعُدّهم نَفره
ورائمٍ رامه فقلت له
حاولت من لا تنال مفتخَره
طاولتَ من لا أراك مُنْتصفاً
باعُك من شبره إذا شَبره
أصْوَر نحو العلى ترى أبداً
إلى نواحي وجوهِها صَوَره
أزْورَ عن وجه كل فاحشةٍ
لا يعدِم الفحشُ كله زَوَره
لو أعرض البحر دون مكرمةٍ
وليس للبحر مَعْبر ضَبرَه
مظفَّرٌ بالتي يحاولها
لا يُعدِم الله سالماً ظَفره
فيه وقارٌ يكفُّ سَوْرته
وفيه حدٌّ يَعز منتصِره
شاورْه في الرأي إن أُثِرتَ ولا
يَرِمْك بالرأي إنّه فَطَره
ذاك الذي قال فيه مادحهُ
مهما انتحى من رميَّةٍ فقَره
سِرْ بهُدَى كوكبٍ هَداك به
ولا تَعرَّضْ لكوكبٍ كَدرَه
قد آمَنَ الله من يخاف من ال
فقر إذا جودُ سالمٍ خَفَره
يا رُبّ شاكٍ إليه خَلَّتَهُ
راح بجدواه يشتكي بطره
يسبق معروفُهُ العِدات وإن
قدّم وعداً حسبتَه نذره
لا يُعرض القوم عن ثناه ولا
يَملّ سُمَّارُ ذكره سمره
مَن مُبْلغٌ صفوةَ الأمير أبي ال
عباس عن كل حامدٍ أثره
أن قد تولَّى الزمامَ صاحبُهُ
بحكمةٍ أحكمت له مِرَره
فقاد مستصعَبَ الأمور بهِ
لا خائفاً ضَعفَهُ ولا قِصَرَهْ
ولَّيتَ لا مائلاً إلى دنسٍ
عمداً ولا عاثراً مع العَثره
هو القويُّ الأمينُ فارْمِ بهِ
ما شئتَ من معضلٍ يكُن حجره
لا يشتكي الناسُ عنفهُ وكذا
لا تشتكي ضعفهُ ولا خوره
أجريتَهُ والكُفاةَ في طَلَقٍ
فجاء لم تغشَ وجهه قَتره
تلوح فوق الجبين غرّتُهُ
كأنها المشتري أو الزُهَرَهْ
وجاء أصحابُهُ وكلُّهُمُ
قد كظَّهُ جَهدُهُ وقد بَهره
لم يلحقوا شأوهُ ولو فعلوا
أمكن أن يسبِق امرؤٌ قدَره
ولم يزل يسبق الرجالَ ولا
يشقُّ ذو جُهدهم له غَبَره
حتى أقرُّوا وقال قائلُهُمْ
محرَّمُ الحول سابقٌ صَفرَهْ
واتخذوا الصدق زينةً لهُمُ
كَرهاً على رغمهم وهمْ صَغره
وكان زْيناً لكل من نفر ال
سؤددَ إقراره لمن نَفره
ومن أبى الصدق بعد ما قُمر ال
فضل فمن كل جانبٍ قُمِرَه
أسخطَ حسادَهُ وأرغمهمْ
أنْ سار في الناس فارتضوْا سِيَره
يا حاسدي سالم أبي حسن
مجداً كساه فَعالُهُ حِبرَه
إن يرتدِ الحمدَ سالمٌ رجلاً
فإنه قبل حُلمه ائْتزَره
ما زال يُكساه قبل بُغيتهِ
إياه بل قبل خلقه بَدَره
مدَّخَراً في أبٍ له فأبٍ
كانت له الصالحات مدَّخره
ثم سعى بعد ذاك مكتسباً
للمجد حتى ارتداهُ واعْتَجره
يا رُبّ عُرفٍ أتاه ما طلب ال
حمدَ بإتيانه ولا خَسِره
نوى بإسدائه رضا ملك
نفَّله الحمد بعد ما أجَره
وتاجرُ البر لا يزال له
ربحان في كل مَتْجَرٍ تَجَره
أجر وحمد وإنما قصد ال
أجَر ولكن كلاهما اعْتَوره
كصاحب البذر لا يريد به
شيئاً سوى رَيْعه إذا بَذَره
وهْو إذا لُقِّي السلامة لا
يعدَم لا رَيعه ولا خَضِره
كم سرَّني حين ساءني زمنٌ
كم برّني حين عَقَّني البرره
يا سالم الخير يا أبا حسنٍ
يا من وجدنا كوجهه خَبره
يا حسن الوجه والشمائل إن
ردَّد فيه مردِّدٌ نظره
يا حسن الهدْي والخلائق إن
كرَّر فيه مُكرّرٌ فِكرَه
ماذا على من يراك في بلدٍ
أنْ لا يرى شمسه ولا قمره
وما على من يراك في زمنٍ
أن لا يرى نوْره ولا زَهره
أنت السراج المنير والكلأ ال
مُمرِع حَفّت رياضُه غُدَره
لكل قومٍ يُعدُّ مجدُهُمُ
آصال مجدٍ سَهمتهم بُكره
لا تحمدنّي فما جرى قلمي
إلّا بأشياءَ منك مختَبره
ما زدتُ فيما وصفتُ منك على
ما حصَّلتْهُ صحائفُ البرره
لم أبتدع في ثنائك الحسن ال
منشَر بل كنتُ بعض من نَشره
لكنني أنظم الثناء إذا
مُثني ثناءٍ على امرئٍ نثره
وما لمُثنٍ على أخي كرمٍ
حمدٌ ولكنه لمن فَطره
كم فيك من مِدحةٍ تظل على
ألسنة المنشدين مُعتَوره
واسعدْ ببيت بنيتَهُ أفِدٍ
أُسِّس بنيانُهُ على الخِيَره
أُيِّد بالساج والحديد ولم
يوهَن بآجُرّةٍ ولا مَدَره
بناءُ حزمٍ أبَى لصاحبه
في كل أمرٍ ركوبَهُ غَرَره
لا يعرف الوهيَ والسقوط ولا
يخذُل ألواحُ ساجه دُسُره
وخيرُ بيت بنيتَ مشتبِهٌ
وَفْقٌ ترى مثل سقفه جُدُرَهْ
أسمرُ ما شاب لونَه برص ال
جَصِّ ولامس جلدُهُ وضَرَه
هَندسَه رأيك المبرِّز في ال
فضل وأعطته حقَّه النَّجَره
وعُلَّ من بعد ذاك بالذهب ال
أحمر فاختال لابساً شُهَره
أهدى لك الدهرُ فيه حبْرته
ولا أرى ناظراً به عِبره
تَعمرُهُ بالنعيم والنِّعم ال
سُبَّغ ملبوسةً ومنتظره
قريرَ عينٍ قرين مَغْبطةٍ
تفتضُّ من كل مَنعمٍ عُذَره
يُسمعك الشدوَ في جوانبهِ
مُناغياتُ البُمُوم والزِّيَرَهْ
في كل يومٍ تراه بُكرتَهُ
وكل ليلٍ تخالهُ سَحَره
كلاهما لا يزال قاطعُهُ
يدعو بسقياه كلَّ ما ادَّكره
زلّال بَرٍّ يظلّ يسكنه
بحر بحورٍ يُهلُّ من عَبره
بل بيت بِرٍّ تظل كعبتهُ
محجوجةً للنوال معتَمرَه
تغشاك فيه عُفاة نائلك ال
غَمر فيمتار مُنفِضٌ مِيَرَه
لا الجار يستبطِئُ الجوار ولا
يلعن من جاء نازعاً سَفرَه
كعادةٍ لم تزل لكل أب
يَنميكَ تغشى عُفاتُه حُجَره
لا يشتري المال بالثناء ولا
تظل تُفدي صِرارُه بِدَره
يجوز معروفه الغِنى ومُنَى ال
نفس ويلقاك مُلقياً عُذرَهْ
أهدى لك المدح فيه خادمك ال
سابق من أهل بَيْعةِ السَّمُرَهْ
أولُ كُتّابك افتتحتَ به
أمرك ثم ارتضيت مختبرَه
أهدى بُنيَّاتِ نفسه ولو اس
طاع لأهدى مكانها عُمُرَه
لا أوحش المجدُ يا بني عمر
منكم فأنتمُ أجَلُّ من عَمَرَهْ
وعشتم في لَبوسِ عافيةٍ
يقاتل الدهرُ عنكُمُ غِيَرَهْ
دونَكها حُلّةً محبرةً
تَطرِف من كل حاسد بصره
زينةُ فخرٍ إذا تَلَبَّسها
سيدُ قوم لفاخرٍ فخَره
جُنّة حِرْزٍ إذا تدرَّعها
لقائلِ الهُجْر نَهْنَهَتْ ظُفُرَه
قصيرةُ البيتِ وهي سابغةٌ
على هوى السامعين مُقتَدِره
كَيَوْمِك الأرْيَحيِّ قصّره
ربك في عمرك الذي وَفَره
طالت فألوى بطولها كرمٌ
فيك جسيم فقيل مُختَصره
ولو علت لابساً سوالك من ال
نَاس لطالت وبينت قِصَرَه