دَنِفٌ ذو مهجةٍ في الحبّ تَصْدا
كُلّما زيدَ ملاماً زاد وَحْدا
أمطرت أدْمُعُه وبلَ الحيا
وهو يشكو من لظى الأشواق وقدا
مغرمٌ أخفى الهوى عن عاذل
في الهوى العذريّ ما أخفى وأبدى
فتكتْ أعْيُنُها الغيد به
ورَمَتْه أسهُم الألحاظ عَمْدا
كيف يستطيعُ اصطباراً وهو لا
يجدُ اليوم من الأشواق بدا
لا تلمني فصبابات الهوى
جعلت بيني وبين اللوم سَدّا
عَبرة أهرقتها من أعين
ألِفَتْ في هجرها للغمض سهدا
وبما قاسيتُ من حرِّ الجوى
في غرام مدّ سيل الدمع مدا
أنْحَلَ الحبُّ ذويه فاغتدتْ
من معاناة الضنى عظماً وجلدا
كُلَّما يقرب منِّي عاذلٌ
بملام قلتُ للعاذل بعدا
رُبَّ ليلٍ أطبقَتْ ظلماؤه
تحسب الشهب عيوناً فيه رمدا
بتُّ لا أستطعمُ الغمضَ به
وأواري عَبرتي أنْ تتبدى
أذكر الأغصانَ من بان النقا
كلّما أذكر من هيفاء قدا
ومعَ السرب الَّذي مرَّ بنا
رشأٌ يصرع بالألحاظ أسدا
مَن معيدٌ لي أياماً مضت
كانَ فيها الغيُّ لو أنصفت رشدا
أهْصِرُ الغصن إذا ما كانَ قدًّا
وأشمُّ الوردَ إذا ما كانَ خدّا
كم أهاج الشوق من وجد بها
كلما جدَّدَه الذكر استجدا
وجرى دمعي من الوجد فما
يملك الطرف لجاري الدمع ردا
خبّراني بعدَ عِرفاني بها
كيف أقوت دار سُعدى بعد سُعدى
أينَ قِطّانُك في عهد الصبا
يا مراحاً كانَ للهو ومغدى
يوم سارت عنك للركب بهم
مشمعلاّت تقدّ السير قدّا
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم
هل ذكرتم بعدنا للودّ عهدا
ولو أنَّ الوصل مما يشترى
لاشترينا وصلكم بالروح نقدا
وقصارى مُنية الصبِّ بكم
مطلبٌ جدَّ به الوجدُ فأكدى
فسقاكم وسقى أربُعَكم
من قطار حامل برقاً ورعدا
وإذا مرّت بكم ريحُ صباً
حملت ريح صبا شيحاً ورندا
زارني الطيف فما أشوى جوىً
من حشا الصادي ولا نوّل رفدا
ما عليه لو ترشَّفْتُ لمىً
مزجت ريقته خراً وشهدا
نسب التشبيب في الحب إلى
ذلك الحسن فكان الهزل جدا
وإلى عبد الحميد انتسَبَتْ
غرر الشعر له شكراً وحمدا
عالم البصرة قاضيها الَّذي
لا ترى فيها له في الناس ندا
قوله الفصل وفي أحكامه
يدحض الباطل والخصم الألدا
إذ يريك الحقَّ يبدو ظاهراً
لازماً في حكمه لا يتعدى
أوجب الشكر علينا فضله
فمن الواجد عندي أن يؤدى
سيّدٌ إحسانه في بِرّه
لم يزل منه إلى العافين يسدى
وبأمر الله قاضٍ إنْ قضى
كانَ أمضى من شفير السيف حدا
ثابت الجأش شديد ركته
إذ تخر الراسيات الشمّ هدّا
سيّدٌ من سيّدٍ إذ ينتمي
أكرم الناس أباً فيهم وحدا
آل بيت لبسوا ثوب التقى
تلبس الفخر نزاراً ومعدا
هم أغاظو بالذي يرضونه
زمناً تشقى به الأحرار وغدا
ذلّلوا الصَّعبَ وقادوا للعلى
حيث ما انقادت لهم قوداً وجردا
هل ترى أبعدَ منه منظراً
أو ترى يومئذٍ أثقب زندا
باسطٌ أيْديه لما خلقت
ديماً ما برحت بالجود تندى
عدّدا لي نعمة الله به
أنا لا أُحصي له النّعماء عدا
مكرمات لأياديه الَّتي
تركت بالبر حرّ القوم عبدا
حبذا البصرة في أيامه
لا أراها الله من علياه فقدا
وجميل الذكر من أخلاقه
سار في أقطاره غوراً ونجدا
توأم المجد فريد في الحجى
جامع الفضل براه الله فردا
بيمين الحقّ سيف صارم
يجعل الباطل في غربيه غمدا
طالما ألقت إليه كَلِماً
أورثت ما لم يرثه لنثر خلدا
فترنَّمتُ بها قافيةً
نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
وكفاني صولة الهمّ امرؤ
جاعل بيني وبين الهم سدا
رغد العيش لمن في ظلِّه
عاش طول الدهر بالأفراح رغدا
كلّما يلحظني ناظره
عكس الأمر فكان النحس سعدا
بأبي أفديه من قاضٍ به
صرت في رأفته ممن يفدّى
إنَّ من أخلص فيكم وُدَّه
مخلص في حبّه الأمجاد ودا
ناظمٌ فيكم على طول المدى
مدحاً ترفع لي بالفخر مجدا
فهو مُهديها إليكم عبدكم
فَتقبَّل ما إليك العبد أهدى