هذه الدَّارُ ما عسى أن تكونا
فاقضِ فيها لها عَليك دُيونا
كانَ عهدي بها ومن كانَ فيها
أشرَقَتْ ولانتْ غصونا
يا دياراً عَهِدتُها قبلَ هذا
جنَّةً أزْلِفَتْ وحوراً وعِينا
كنتِ للشادن الأَغنّ كناساً
مثلما كنتِ للهزبر عرينا
قَد وقفنا على بقايا رسومٍ
دارساتٍ كأسطرٍ قد مُحينا
فبذلنا لها ذخائر دمعٍ
كانَ لولا الوقوف فيها مصونا
ذكَّرتْنا الهوى وعهد التَّصابي
فذكرنا من عهدها ما نسينا
هلْ عَجِبْتُمْ والحبُّ أمرٌ عجيبٌ
كيفَ يَستعذبُ العذابَ المهينا
أو سألتم بعد النوى عن فؤادي
فسَلوا الظاعنين والنازحينا
وبنفسي أحبَّة يومَ بانوا
حَرَّموا النومَ أنْ يمَسَّ الجفونا
عَرَّضوا حين أعرضوا ثمَّ قالوا
قَدْ فتنَّاك في الغرامِ فتونا
إنْ أطلنا الحنينَ شوقاً إليكم
فعلى الصَّبِّ أنْ يطيل الحنينا
ربَّ ورقاءَ غَرَّدَتْ فشجتني
وكذاك الحزين يشجي الحزينا
رَدَّدَتْ نَوحَها فردَّدت منِّي
زفرةً تصدع الحشا وأنينا
ردِّدي ما استطعت أيَّتها الوُرْقُ
شجوناً من الأَسى ولحونا
وأعيدي شكوى الغرام عَلَيْنا
واجهدي لا شقيتِ أنْ تسعدينا
لو شكوناك ما بنا لشرحنا
لكِ من لوعة الغرامِ متونا
ما أطعنا اللُّوَّامَ والحبُّ يأبى
أنْ يطيعَ المتيَّمُ الَّلائمينا
لهف نفسي على مراشف ألْمى
أوْدَعَ الثغرَ منه داراً ثمينا
لانَ عطفاً مهفهفُ القدِّ قاسٍ
كلَّما زادَ قسوةً زدْتُ لينا
يا شفائي من عِلَّةٍ بَرَّحَتْ بي
إنَّ في القلبِ منك داءً دفينا
يا ترى تجمع المقادير ما كانَ
وأنَّى لنا بها أنْ تكونا
في ليالٍ أمضيتُها بعناق
لا يظنُّ المريب فينا الظنونا
فرَّقَتْنا أيدي النوى فافترقنا
ورمينا ببَيْنها وابتلينا
بينَ شرقٍ ومغربٍ نَنْتَحيه
فشمالاً طوراً وطوراً يمينا
أسعدَ الله فِرقَةَ العزِّ لمَّا
كانَ عبد الرحمن فيها خدينا
قدَّمتْه الولاةُ واتَّخذته
في الملمَّات صاحباً ومعينا
واستَمدَّتْ من رأيه فَلَقَ الصُّبحِ
بَياناً منه وعلماً رصينا
جَذَبَ النَّاسَ بالجميل إليه
وحباهم بفضله أجمعينا
فرأتْ ما يَسُرُّها من كريمٍ
من سُراة الأَشراف والأَنجبينا
شِيَمٌ عن إبائه في المعالي
أسلَكَتْه طريقها المسنونا
تَستَحيل الحزونُ فيه سهُولاً
بعدَ ما كانت السهول حزونا
ويهون الأَمر العظيمُ لديه
وحَرِيٌّ بمثلِهِ أنْ يهونا
زانَ ما شان في حوادث شتَّى
ومحا ما يشين في ما يزينا
فإذا قستُه بأَبناء عَصري
كانَ أعلى كعباً وأندى يمينا
قد وَجَدْناك والرِّجال ضروبٌ
والتجاريبُ تظهرُ المكنونا
عروةٌ من عُرا السَّعادة وثقى
قد وثقنا بها وحبلاً متينا
هذه النَّاس منذ جئتَ إليها
زَجَرَتْ منك طائراً ميمونا
كلّ أرضٍ تحلُّها كانَ أهلو
ها بما ترتجيه مستبشرينا
وإذا رُوِّعَتْ ومثلُك فيها
أصبحوا في ديارهم آمنينا
يا شريفَ الأَخلاق وابنَ شريفٍ
أشرفَ النَّاس أثبتَ النَّاس دينا
أحمِدُ الله أن رأتكَ عيوني
فرأتْ ما يَقُرُّ فيك العيونا
وشَمَمْنا من عَرف ذاتك طيباً
فكأنِّي إذ ذاك في دارينا
وَوَرَدْنا نداك عذباً فراتاً
إنَّما أنتَ منهلُ الواردينا
لك في الصالحات ما سوفَ يبقى
ذكرها في الجميل حيناً فحينا
حُزتَ فهماً وفطنةً وذكاءً
وتَفَنَّنْتَ في الأُمور فنونا
وتولَّيتَ في الحقيقة أمراً
كانَ من لطفه المهيمن فينا
سيرة ترتضى جُبِلَتْ عليها
ومزايا ترضي بها العالمينا
فاهنأ بالصَّوم والمثوبة فيه
وجزيل الصِّيام في الصَّائمينا
وبعيدٍ يعودُ في كلِّ عامٍ
لكَ بالخيرِ كافلاً وضمينا