شفَّها السَّيْرُ والأسى والغرامُ
وبَراها الإنجادُ والإتهامُ
كم فَرَتْ مهمهاً وجابَتْ قِفاراً
واشتكتها الأوهاد والأعلام
فترفَّقْ بها فإنَّ حشاها
لو تأمَّلْتها جوىً وغرام
جَعَلتْ وِردَها من الماء عبًّا
أفيطفى من الدموع ضرام
كم ألَمَّت بنا على آل ميٍّ
ونبا من دروسها الآلام
يوم لاح الحمى فقلت لصحبي
هذه دارهم وتلك الخيام
فنثرنا من الهوى عبراتٍ
فَحَسِبْنا أنَّ الدموع ركام
كلَّمتنا الديار وهي سكوتٌ
إنَّ بعضاً من السكوت كلام
ذكَّرَتْنا بها وما دام عيشاً
أيُّ عيشٍ دامت له الأيام
ما عَلِمنا حتَّى انقضت وتولَّتْ
أنَّ أيامنا بها أحلام
إذ جَلَونا من الحميّا عروساً
بنت كرم لها الزجاج لثام
يا لها ساعةً بمجلس أنس
غاب جام بها وأشرَفَ جام
ضيَّعَتْها أيدي الحوادثِ منَّا
مثلَ ما ضَيَّعَ الجميلَ اللئام
نطلب الدهر أن يعود وهَيْها
ت يروّى من السَّراب الأوام
وبنفسي ذاك الغرير المفدى
ففؤادي بحيه مستهام
واشتياقي إلى ارتشاف رضاب
حَسَدَتْ ذلك الرضابَ المدام
يا غزالاً فدىً لعينيك قلبي
نظراتٌ أرْسَلْتها أمْ سِهام
هِمْتُ وَجْداً وذُبْتُ فيك هياما
وقليلٌ على هواك الهيام
كيف تخفى سريرةُ الحبِّ عنكم
وأخو الوجد دَمْعُه نمّام
ظَعَنَ الركب ضحوةً وأراني
لم يطب لي بعد الحبيب مقام
فاترك الهزل يوم جَدَّ بجدِّ
إنَّ هزل المقام بالشهم ذام
واطلبِ العزَّ بالقنا والمواضي
إنَّما العزّ ذابل وحسام
فمرام المنى ونيل المعالي
بسوى البيض والقنا لا يرام
وتمسَّك بسَمْهريّ وشيج
فالعوالي إلى المعالي زمام
واقتحمها إذا نَبَتْ بك يوماً
فأرى المجدَ بابُه الاقتحام
وادفع الشرّ إن عَلِمتَ بشرٍّ
ربَّما يدفع السّقامَ السقامُ
فمتى تكبر العزائم بأساً
صَغُرَتْ عندها الأُمور العظام
وتَقَلَّدْ بالرأي قبل المواضي
ليس يجدي بغير رأي صِدام
رُبَّ رأي بالخطب يفعل ما لا
يفعل السَّمهريُّ والصَّمصام
واحْذرِ الغَدْرَ من طباع لئيم
عنده الغدر بالصَّديق ذمام
وادَّخر للوغى مقالة حربٍ
لا تقوّي الأَجسامَ إلاَّ العظام
لا تلومي فتًى يخوض المنايا
كلُّ جبنٍ من الحِمام حِمامُ
واصبري فالأَسى سحابةُ صيفٍ
وَلرَبِّي بأمره أَحكام