ألِفْتُ الندىً والعامريّةُ تَعْذِلُ
وممّا أفادَتْهُ الصّوارِمُ أبْذُلُ
فلا تَعْذُليني يا بْنَةَ القوْمِ إنّني
أجودُ بما أحْوي وبالعِرْضِ أبْخَلُ
ولَلْحَمْدُ أوْلى بالفَتى منْ ثَرائِهِ
وخَيْرٌ منَ المالِ الثّناءُ المُنَخَّلُ
ومَنْ خافَ أن يَسْتَضْرِعَ الفَقْرُ خَدّهُ
وفَى بالغِنى لي أعْوَجيٌّ ومُنْصُلُ
ومُكْتَحِلاتٌ بالظّلامِ أُثيرُها
وهُنّ كأشْباحِ الأهِلّةِ نُحَّلُ
ولا صَحْبَ لي إلا الأسنّةُ والظُّبا
بحيثُ عُيونُ الشُّهْبِ بالنّقْعِ تُكْحَلُ
وحَوليَ منْ رَوْقَيْ أميّةَ غِلْمَةٌ
بهِمْ تُطْفَأُ الحَرْبُ العَوانُ وتُشْعَلُ
سَرَيْتُ بهِمْ والنّاجِياتُ كأنّها
رِماحٌ بأيْديهِمْ منَ الخَطِّ ذُبَّلُ
فحَلّوا حُبا اللّيلِ البَهيمِ بأوْجُهٍ
سَنا الفَجْرِ في أرْجائِها يتهلّلُ
وخاضُوا غِمارَ النّائِباتِ وما لَهُمْ
سوى اللهِ والرُّمْحِ الرُّدَيْنيّ مَعْقِلُ
يَرومونَ أمراً دونَهُ جُرَعُ الرّدى
تُعَلُّ بِها نَفْسُ الكَميِّ وتُنْهَلُ
على حين نابَتْني خُطوبٌ كَثيرةٌ
تَؤودُ بِها الأيّامُ مَتْنِي وأحْمِلُ
وأُخْفي الصّدى والماءُ زُرْقٌ جِمامُهُ
فهُنَّ على الذُّلِّ السِّمامُ المُثَمَّلُ
ومَنْ سَلَبَتْهُ نَوشَةُ الدّهْرِ عِزَّهُ
فنَحْنُ لرَيْبِ الدّهْرِ لا تتذَلّلُ
ولكنّنا نَحْمي ذِمارَ مَعاشِرٍ
لهُمْ آخِرٌ في المَكْرُماتِ وأوّلُ
ولَمْ نَغْتَرِبْ مُسْتَشْرِفينَ لثَرْوَةٍ
فَمَرْعى مَطايانا بِيَبْرينَ مُبْقِلُ
وقد يصْدأُ السّيفُ المُلازِمُ غِمْدَهُ
ومَنْ لا يَرِمْ أوْطانَهُ فهْوَ يخْمَلُ
فبِتْنا وقد نامَ الأنامُ عنِ العُلا
نُساري النّجومَ الزُّهْرَ والليلُ ألْيَلُ
ونَحْنُ على أثْباجِ جُرْدٍ كأنّها
إذا ما اسْتُدِرَّ الحُضْرُ بالرّيحِ تُنْعَلُ
فأوجُهُها مِنْ طُرّةِ الصُّبْحِ تَكْتَسي
وسائِرُها في حُلّةِ اللّيلِ يَرْفُلُ
وتَعْلَمُ ما نَبْغي فتَبْتَدِرُ المَدى
ولَيْسَتْ عليْها الأصبَحيّةُ تَجْهَلُ
ويَقْدُمُها طِرْفٌ أغَرُّ مُحجَّلٌ
لراكِبِهِ مَجْدٌ أغَرُّ مُحجَّلُ
فلَمْ نَدْرِ إذا أمّتْ بِنا بابَ أحْمَدٍ
أنَحنُ إِلى نادِيهِ أمْ هِيَ أعْجَلُ
تَذودُ الكَرى عنّا تِلاوَةُ مَدْحِهِ
فَيرْنو إلَيْنا مُصْغِياتٍ وتَصْهَلُ
أغَرُّ رَحيبُ الباعِ يُسْتَمْطَرُ الندىً
جَميلُ المُحيّا مِخْلَطُ الأمرِ مِزْيَلُ
ففي راحَتَيْهِ للمُؤَمِّلِ مُجتَدًى
وفي ساحَتَيْهِ للمُروَّعِ مَوْئِلُ
سَما والشّبابُ الغَضُّ يَقْطُرُ ماؤُهُ
إِلى حيثُ يُقْصي النّظْرَةَ المتأمِّلُ
وكان أبوهُ يَرْتَجي خَيْرَهُ الوَرى
وهذا المُرَجّى منْ بَنيهِ المُؤَمَّلُ
وقد وَلِهتْ شَوْقاً إليهِ وِزارةٌ
لَها في بَني إسحاقَ مَثْوًى ومنْزِلُ
بهِمْ زُيِّنَتْ إذْ زِينَ غَيرُهُمُ بِها
وقدْ يَسْتَعيرُ الحَلْيَ مَنْ يتعطَّلُ
وشامَ لَها الأعْداءُ بَرْقاً فأصْبَحَتْ
علَيْهِمْ بشُؤبوبِ المنيّةِ تَهْطِلُ
وقد خيّمَتْ فيها بِدارِ مُقامَةٍ
فليسَ لَها عنْ رَبْعِهم مُتَحوَّلُ
وللدُّرِّ حُسْنٌ حَيْثُ عُلِّقَ عِقْدُهُ
ولكنّهُ في جِيدِ حَسْناءَ أجْمَلُ
مِنَ القومِ لا مأْوَى المَساكينِ مُقْفِرٌ
لدَيْهِمْ ولا مَثْوى الصّعاليكِ مُمْحِلُ
غَطارِفةٌ إن حُورِبُوا أرْعَفوا القَنا
وإنْ سُئِلوا النُّعْمى لَدى السِّلْمِ أجزَلوا
فَدونَكَها غَرّاءُ لو رامَ مثْلَها
سِواي بَليغٌ ظلّ يُصفِي ويُجْبِلُ
دَنَتْ ونأَتْ إذْ أطْمَعَتْ ثمّ أيْأَسَتْ
وقد أحْزَنَ الرّاؤونَ فيها وأسْهَلوا
فأجْزَلُها بَرْدٌ عليْكَ مُسَهَّمٌ
وأسْهَلُها عِقْدٌ لدَيْكَ مُفَصَّلُ
وها أنا أرْجو أن نَعيشَ بغِبْطَةٍ
جَميعاً وأنتَ المُنْعِمُ المتَفَضِّلُ
فمِنْكَ ندىً غَمْرٌ ومنيَ شُكْرُهُ
ونحنُ كما نَهْوى أقولُ وتَفْعَلُ