ألا رب ذي أجل قد حضر

التفعيلة : البحر المتقارب

أَلا رُبَّ ذي أَجَلٍ قَد حَضَر

كَثيرِ التَمَنّي قَليلِ الحَذَر

إِذا هَزَّ في المَشيِ أَعطافَهُ

تَعَرَّفتَ في مَنكِبَيهِ البَطَر

يُؤَمِّلُ أَكثَرَ مِن عُمرِهِ

وَيَزدادُ يَوماً بِيَومٍ أَشَر

وَيُمسي وَيُصبِحُ في نَفسِهِ

كَريمَ المَساعي عَظيمَ الخَطَر

تَكونُ لَهُ صَولَةٌ تُتَّقى

وَأَمرٌ يُطاعُ إِذا ما أَمَر

يَريشُ وَيَبري وَفي يَومِهِ

لَهُ شُغُلٌ شاغِلٌ لَو شَعَر

يَعُدُّ الغُرورَ وَيَبني القُصورَ

وَيَنسى الفَناءَ وَيَنسى القَدَر

وَيَنسى القُرونَ وَرَيبَ المَنونِ

وَيَنسى الخُطوبَ وَيَنسى الغِيَر

وَيَنسى شُهوراً تُحيلُ الأُمورَ

فَإِمّا بِخَيرٍ وَإِمّا بِشَرِّ

يُجَرِّعُهُ الحِرصُ كَأسَ الفَنا

وَيَحمِلُهُ فَوقَ ظَهرِ الغَرَر

وَكَم مِن مُلوكٍ عَهِدناهُمُ

تَفانوا وَنَحنُ مَعاً بِالأَثَر

أَما تَعجَبونَ لِأَهلِ القُبورِ

كَأَنَّهُمُ لَم يَكونوا بَشَر

أَخَيَّ أَضَعتَ أُموراً أَراكَ

لِنَفسِكَ فيها قَليلُ النَظَر

فَحَتّى مَتى أَنتَ ذو صَبوَةٍ

كَأَن لَيسَ تَزدادُ فيها قِصَر

تُؤَمَّلُ في الأَرضِ طولَ الحَياةِ

وَعُمرُكَ يَزدادُ فيهِ قِصَر

أَرى لَكَ أَلّا تَمَلَّ الجِهازَ

لِقُربِ الرَحيلِ وَبُعدِ السَفَر

وَأَن تَتَدَبَّرَ ماذا تَصيرُ

إِلَيهِ فَتُعمِلَ فيهِ الفِكَر

وَأَن تَستَخِفَّ بِدارِ الغُرورِ

وَأَن تَستَعِدَّ لِإِحدى الكُبَر

هِيَ الدارُ دارُ الأَذى وَالقَذى

وَدارُ الفَناءِ وَدارُ الغَرَر

وَلَو نِلتَها بِحَذافيرِها

لَمُتَّ وَلَم تَقضِ مِنها الوَطَر

لَعَمري لَقَد دَرَجَت قَبلَنا

قُرونٌ لَنا فيهِمُ مُعتَبَر

فَيا لَيتَ شِعري أَبَعدَ المَشيبِ

سِوى المَوتِ مِن غائِبٍ يُنتَظَر

كَأَنَّكَ قَد صِرتَ في حُفرَةٍ

وَصارَ عَلَيكَ الثَرى وَالمَدَر

فَلا تَنسَ يَوماً تُسَجّى عَلى

سَريرِكَ فَوقَ رِقابِ البَشَر

وَقَدِّم لِذاكَ فَإِنَّ الفَتى

لَهُ ما يُقَدِّمُ لا ما يَذَر

وَمَن يَكُ ذا سِعَةٍ في الغِنى

يُعَظَّم وَمَن يَفتَقِر يُحتَقَر

وَمَن يَكُ بِالدَهرِ ذا غِرَّةٍ

فَإِنّي مِنَ الدَهرِ عِندي خَبَر

تَرى الدَهرَ يَضرُبُ أَمثالَهُ

لَنا وَيُرينا صُروفَ العِبَر

فَلا تَأمَنَنَّ لَهُ عَثرَةً

فَكَم مِن كَريمٍ بِهِ قَد عَثَر

يَحولُ عَلى المَرءِ حَتّى تَرا

هُ يَشرَبُ بَعدَ الصَفاءِ الكَدَر

وَحَتّى تَراهُ قَصيرَ الخُطى

بَطيءَ النُهوضِ كَليلَ النَظَر

أَيا مَن يُؤَمِّلُ طولَ الحَياةِ

وَطولُ الحَياةِ عَليهِ ضَرَر

إِذا ما كَبِرتَ وَبانَ الشَبابُ

فَلا خَيرَ في العَيشِ بَعدَ الكِبَر


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ما لنا لانتفكر

المنشور التالي

ألا أرى للمرء أن يأمن الدهرا

اقرأ أيضاً