في الشَيبِ زَجرٌ لَهُ لَو كانَ يَنزَجِرُ
وَواعِظٌ مِنهُ لَولا أَنَّهُ حَجَرُ
اِبيَضَّ ما اِسوَدَّ مِن فَودَيهِ وَاِرتَجَعَت
جَلِيَّةُ الصُبحِ ما قَد أَغفَلَ السَحَرُ
وَلِلفَتى مُهلَةٌ في الحُبِّ واسِعَةٌ
ما لَم يَمُت في نَواحي رَأسِهِ الشَعرُ
قالَت مَشيبٌ وَعِشقٌ دُحتَ بَينَهُما
وَذاكَ في ذاكَ ذَنبٌ لَيسَ يُغتَفَرُ
وَعَيَّرَتني سِجالَ العُدمِ جاهِلَةً
وَالنَبعُ عُريانُ ما في فَرعِهِ ثَمَرُ
وَما الفَقيرُ الَّذي عَيَّرتِ آوِنَةً
بَلِ الزَمانُ إِلى الأَحرارِ مُفتَقِرُ
عَزّى عَنِ الحَظِّ أَنَّ العَجزَ يُدرِكُهُ
وَهَوَّنَ العُسرَ عِلمي في مَنِ اليُسُرُ
لَم يَبقَ مِن جُلِّ هَذا الناسِ باقِيَةً
يَنالُها الوَهمُ إِلّا هَذِهِ الصُوَرُ
بُخلٌ وَجَهلٌ وَحَسبُ المَرءِ واحِدَةٌ
مِن تينِ حَتّى يُعَفّى خَلفَهُ الأَثَرُ
إِذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها
كانَت ذُنوبي فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ
أَهُزُّ بِالشِعرِ أَقواماً ذَوي وَسَنٍ
في الجَهلِ لَو ضُرِبوا بِالسَيفِ ما شَعَروا
عَلَيَّ نَحتُ القَوافي مِن مَقاطِعِها
وَما عَلَيَّ لَهُم أَن تَفهَمَ البَقَرُ
لَأَرحَلَنَّ وَآمالي مُطَرَّحَةٌ
بِسُرَّ مَن راءَ مُستَبطاً لَها القَدَرُ
أَبَعدَ عِشرينَ شَهراً لا جَدىً فَيُرى
بِهِ اِنصِرافٌ وَلا وَعدٌ فَيُنتَظَرُ
لَولا عَلِيُّ بنَ مُرٍّ لَاِستَمَرَّ بِنا
خِلفٌ مِنَ العَيشِ فيهِ الصابُ وَالصَبِرُ
عُذنا بِأَروَعَ أَقصى نَيلِهِ كَثَبٌ
عَلى العُفاةِ وَأَدنى سَعيِهِ سَفَرُ
أَلَحَّ جوداً وَلَم تَضرُر سَحائِبُهُ
وَرُبَّما ضَرَّ في إِلحاحِهِ المَطَرُ
لا يُتعِبُ النائِلُ المَبذولُ هِمَّتَهُ
وَكَيفَ يُتعِبُ عَينَ الناظِرِ النَظَرُ
بَدَت عَلى البَدوِ نُعمى مِنهُ سابِغَةٌ
وَفراءُ يَحضُرُ أُخرى مِثلَها الحَضَرُ
مَواهِبٌ ما تَجَشَّمنا السُؤالَ لَها
إِنَّ الغَمامَ قَليبٌ لَيسَ يُحتَقَرُ
يُهابُ فينا وَما في لَحظِهِ شَرَرٌ
وَسطَ النَدِيِّ وَلا في خَدِّهِ صَعَرُ
بَردُ اَحَشا وَهَجيرُ الرَوعِ مُحتَفِلٌ
وَمَسعَرٌ وَشَهابُ الحَربِ مُستَعِرُ
إِذا اِرتَقى في أَعالي الرَأيِ لاحَ لَهُ
ما في الغُيوبِ الَّتي تَخفى فَتَستَتِرُ
تَوَسَّطَ الدَهرَ أَحوالاً فَلا صِغَرٌ
عَنِ الخُطوبِ الَّتي تَعرو وَلا كِبَرُ
كَالرُمحِ أَذرُعُهُ عَشرٌ وَواحِدَةٌ
فَلَيسَ يُزرى بِهِ طولٌ وَلا قِصَرُ
مُجَرِّبٌ طالَما أَشجَت عَزائِمُهُ
ذَوي الحِجى وَهوَ غِرٌّ بَينَهُم غُمُرُ
آراؤُهُ اليَومَ أَسيافٌ مُهَنَّدَةٌ
وَكانَ كَالسَيفِ إِذ آراؤُهُ زُبَرُ
وَمِصعِدٌ في هِضابِ المَجدِ يَطلَعُها
كَأَنَّهُ لِسِكونِ الجَأشِ مُنحَدِرُ
مازالَ يَسبِقُ حَتّى قالَ حاسِدُهُ
لَهُ طَريقٌ إِلى العَلياءِ مُختَصَرُ
حُلوٌ حَميتٌ مَتى تَجنِ الرَضا خُلُقاً
مِنهُ وَمُرٌّ إِذا أَحفَظتَهُ مَقِرُ
نَهَيتُ حُسّادَهُ عَنهُ وَقُلتُ لَهُم
السَيلُ بِاللَيلِ لا يُبقي وَلا يَذَرُ
كُفّوا وَإِلّا كَفَفتُم مُضمِري أَسَفٍ
إِذا تَنَمَّرَ في إِقدامِهِ النَمِرُ
أَلوى إِذا شابَكَ الأَعداءَ كَدَّهُمُ
حَتّى يَروحُ وَفي أَظفارِهِ الظَفَرُ
وَاللَومُ أَن تَدخُلوا في حَدِّ سَخطَتِهِ
عِلماً بِأَن سَوفَ يَعفو حينَ يَقتَدِرُ
جافي المَضاجِعِ لا يَنفَكُّ في لَجَبٍ
يَكادُ يُقمِرُ مَن لَآلائِهِ القَمَرُ
إِذا خُطامَةُ سارَت فيهِ آخِذَةٌ
خِطامَ نَبهانَ وَهيَ الشَوكُ وَالشَجَرُ
رَأَيتَ مَجداً عِياناً في بَني أُدَدٍ
إِذ مَجدُ كُلِّ قَبيلٍ دونَهُم خَبَرُ
أَحسِن أَبا حَسَنٍ بِالشِعرِ إِذ جَعَلَت
عَلَيكَ أَنجُمُهُ بِالمَدحِ تَنتَثِرُ
فَقَد أَتَتكَ القَوافي غِبَّ فائِدَةٍ
كَما تَفَتَّحُ غِبَّ الوابِلِ الزَهَرُ
فيها العَقائِقُ وَالعِقيانُ إِن لُبِسَت
يَومَ التَباهي وَفيها الوَشيُ وَالحِبَرُ
وَمَن يَكُن فاخِراً بِالشِعرِ يُمدَحُ في
أَضعافِهِ فَبِكَ الأَشعارُ تَفتَخِرُ