أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي
وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي
ونُحُولي وأَدْمُعي وعَذَابي
وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي
أَيُّها الحُبُّ أَنتَ سِرُّ وُجُودي
وحَيَاتي وعِزَّتي وإبَائي
وشُعاعِي ما بينَ دَيْجُورِ دَهْري
وأَليفي وقُرَّتي وَرَجَائي
يا سُلافَ الفُؤادِ يا سُمَّ نَفْسي
في حَيَاتي يا شِدَّتي يا رَخَائي
أَلَهيبٌ يثورُ في روضَةِ النَّفْسِ
فَيَطْغى أَمْ أَنتَ نُورُ السَّماءِ
أَيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ
نَ كُؤُوساً وما اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فبِحَقِّ الجَمَال يا أَيُّها الحُ
بُّ حَنَانَيْكَ بي وَهَوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْرِي يا أَيُّها الحُبُّ قُلْ لي
مِنْ ظَلامٍ خُلِقَت أَمْ من ضِياءِ
يَا شِعْرُ أَنْتَ فَمُ الشُّعُورِ
وصَرْخَةُ الرُّوحِ الكَئيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ صَدَى نحيبِ
القَلْبِ والصَّبِّ الغَرِيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ مَدَامعٌ
عَلِقَتْ بأَهْدَابِ الحَيَاةْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ دَمٌ
تَفَجَّرَ مِنْ كُلُومِ الكائِناتِ
يَا شِعْرُ قَلْبي مِثْلما
تدري شَقِيٌّ مُظْلَمُ
فِيهِ الجِراحُ النُّجْلُ يَقْطُرُ
مِنْ مَغَاوِرِها الدَّمُ
جَمَدَتْ على شَفَتَيهِ
أَرْزاءُ الحَياةِ العَابِسهْ
فهوَ التَّعيسُ يُذيبُهُ
نَوْحُ القُلُوبِ البَائِسَهْ
أبداً يَنوحُ بحُرْقَةٍ
بَيْنَ الأَماني الهَاوِيهْ
كالبُلْبُلِ الغِرِّيدِ ما
بَيْنَ الزُّهورِ الذَّاوِيهْ
كمْ قَدْ نَضَحْتُ لهُ بأنْ
يَسْلو وكَمْ عَزَّيْتُهُ
فأَبى وما أصغَى إلى
قَوْلي فما أجْديتُهُ
كَمْ قلتُ صبراً يا فُؤادُ
أَلا تَكُفُّ عنِ النَّحِيبْ
فإذا تَجَلَّدَتِ الحِياةُ
تبدَّدَتْ شُعَلُ اللَّهيبْ
يَا قَلْبُ لا تجزعْ أمامَ
تَصَلُّبِ الدَّهرِ الهَصُورْ
فإذا صَرَخْتَ توجُّعاً
هَزَأَتْ بصَرْخَتِكَ الدُّهُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْخُطْ على
الأيَّامِ فالزَّهْرُ البَديعْ
يُصْغي لضَجَّاتِ العَوَاصِفِ
قَبْلَ أَنغامِ الرَّبيعْ
يَا قَلْبُ لا تَقْنَعْ بشَوْكِ
اليَأْسِ مِنْ بينِ الزُّهُورْ
فَوَراءَ أَوْجاعِ الحَياةِ
عُذُوبَةُ الأَملِ الجَسُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْكُبْ دُمُوعكَ
بالفَضَاءِ فَتَنْدَمِ
فعَلَى ابتساماتِ الفَضَاءِ
قَسَاوَةُ المُتَهَكِّمِ
لكِنَّ قَلْبي وهوَ
مُخْضَلُّ الجوانبِ بالدُّمُوعْ
جَاشَتْ بهِ الأَحْزانُ إذْ
طَفَحَتْ بِها تِلْكَ الصُّدوعْ
يَبْكي على الحُلْمِ البَعيدِ
بلَوْعَةٍ لا تَنْجَلي
غَرِداً كَصَدَّاحِ الهَوَاتِفِ
في الفَلا ويَقُول لي
طَهِّرْ كُلُومَكَ بالدُّمُوع
وخَلِّها وسَبِيلَهَا
إنَّ المَدامِعَ لا تَضِيعُ
حَقيرَهَا وجَليلَهَا
فَمِنَ المَدَامِعِ ما تَدَفَّعَ
جارِفاً حَسَكَ الحَياهْ
يرْمِي لِهاوِيَةِ الوُجُودِ
بكلِّ ما يبني الطُّغاهْ
ومنَ المَدَامِعِ ما تأَلَّقَ
في الغَيَاهِبِ كالنُّجُومْ
ومنَ المَدَامِعِ ما أَراحَ
النَّفْسَ مِنْ عبءِ الهُمُومْ
فارْحَمْ تَعَاسَتَهُ ونُحْ
مَعَهُ على أَحْلامِهِ
فلَقَدْ قَضَى الحُلْمُ البَديعُ
عَلى لَظَى آلامِهِ
يَا شِعْرُ يا وحْيَ الوُجود
الحيِّ يا لُغَةَ المَلايِكْ
غَرِّدْ فأَيَّامي أنا تبْكِي
عَلى إيقَاعِ نايكْ
رَدِّدْ على سَمْعِ الدُّجَى
أَنَّاتِ قَلْبي الواهِيَهْ
واسْكُبْ بأَجْفانِ الزُّهورِ
دُمُوعَ قلبي الدَّاميهْ
فلَعَلَّ قَلْبَ اللَّيل
أَرْحَمُ بالقُلُوبِ البَاكيهْ
ولَعَلَّ جَفْنَ الزهرِ
أَحْفَظُ للدُّمُوعِ الجَاريهْ
كمْ حَرَّكَتْ كفُّ الأَسى
أَوْتارَ ذَيَّاكَ الحَنينْ
فَتَهَامَلَتْ أَحْزانُ قلبي
في أَغاريدِ الأَنِينْ
فَلَكَمْ أَرَقْتُ مَدَامِعِي
حتَّى تَقَرَّحَتِ الجُفُونْ
ثمَّ التَفَتُّ فَلَمْ أجدْ
قلباً يُقاسِمُني الشُّجُونْ
فَعَسَى يَكونُ اللَّيلُ أَرْحَمُ
فهوَ مِثْلِي يندُبُ
وعَسَى يَصونُ الزَّهْرُ دَمْعِي
فهوَ مِثْلِي يَسكُبُ
قدْ قَنَّعَتْ كَفُّ المَساءِ
الموتَ بالصَّمْتِ الرَّهيبْ
فَغَدا كأَعْماقِ الكُهُوفِ
بِلا ضَجيجٍ أَو وَجِيبْ
يَأتي بأَجْنِحَةِ السُّكُونِ
كأنَّهُ اللَّيلُ البَهيمْ
لكنَّ طَيْفُ الموتِ قاسٍ
والدُّجى طَيفٌ رَحيمْ
ما للمَنِيَّةِ لا تَرِقُّ
على الحَياةِ النَّائِحَهْ
سِيَّانِ أَفئدةٌ تَئِنُّ
أَوِ القُلُوبُ الصَّادِحَهْ
يَا شِعْرُ هلْ خُلِقَ المَنونُ
بلا شعورٍ كالجَمَادْ
لا رَعْشَةٌ تَعْرُو يديْهِ
إِذا تملَّقَهُ الفُؤَادْ
أَرأَيْتَ أَزْهارَ الرَّبيعِ
وقدْ ذَوَتْ أَوراقُها
فَهَرَتْ إلى صَدْرِ التُّرابِ
وقدْ قَضَتْ أَشْواقُهَا
أَرأَيْتَ شُحْرورَ الفَلا
مُتَرَنِّماً بَيْنَ الغُصُونْ
جَمَدَ النَّشيدُ بصَدْرِهِ
لمَّا رأَى طَيْفَ المَنُونْ
فَقَضَى وقدْ غَاضَتْ
أَغاريدُ الحَياةِ الطَّاهِرَهْ
وهَوَى منَ الأَغْصانِ
ما بَيْنَ الزُّهورِ البَاسِرَهْ
أَرأَيْتَ أُمّ الطِّفْلِ تَبْكي
ذلكَ الطِّفْلَ الوَحيدْ
لمَّا تَنَاوَلَهُ بعُنْفٍ
ساعِدُ المَوتِ الشَّديدْ
أَسَمِعْتَ نَوْحَ العاشِقِ الوَلْهانِ
مَا بَيْنَ القُبُورْ
يَبْكي حَبيبَتَهُ فيا
لِمَصَارعِ الموتِ الجَسُورْ
طَفَحَتْ بأَعْماقِ الوُجُودِ
سَكِينَةُ الصَّبْرِ الجَلِيدْ
لمَّا رأَى عَدْلَ الحَياةِ
يَضُمُّهُ اللَّحْدُ الكَنُودْ
فَتَدَفَّقَتْ لَحْناً يُرَدِّدُهُ
على سَمْعِ الدُّهُورْ
صَوتُ الحياةِ بضَجَّةٍ
تَسْعَى على شَفَةِ البُحُورْ
يا شِعْرُ أَنْتَ نَشيدُ
أَمْواجِ الخِضَمِّ السَّاحِرَهْ
النَّاصِعاتِ الباسِماتِ
الرَّاقِصاتِ الطَّاهِرَهْ
السَّافِراتِ الصَّادِحاتِ
معَ الحياةِ إلى الأبدْ
كَعَرائسِ الأَمَلِ الضَّحُوكِ
يَمِسْنَ ما طالَ الأَمَدْ
ها إنَّ أَزْهارَ الرَّبيعِ
تَبَسَّمَتْ أَكمامُها
تَرنُو إلى الشَّفقِ البَعيدِ
تغُرُّها أَحْلامُها
في صَدْرِها أملٌ
يحدِّقُ نحوَ هاتيك النُّجومْ
لكنَّه أملٌ سَتُلْحِدُه
جَبَابرةُ الوُجُومْ
فَلَسَوْفَ تُغْمِضُ جَفْنَهَا
عنْ كلِّ أَضواءِ الحياةْ
حيثُ الظَّلامُ مخَيِّمٌ
في جوِّ ذَيَّاكَ السُّبَاتْ
ها إنَّها هَمَسَتْ
بِآذانِ الحياةِ غَرِيدَهَا
قَتَلَتْ عَصافيرُ الصَّبَاحِ
صُداحَهَا ونَشِيدَهَا
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَشِيدُ
هاتيكَ الزُّهُورِ الباسِمَهْ
يا لَيْتَني مِثْلُ الزُّهُورِ
بلا حَياةٍ واجِمهْ
إنَّ الحَياةَ كئيبةٌ
مَغْمورةٌ بِدُمُوعِها
والشَّمسُ أضْجَرَها الأَسى
في صَحْوِها وهُجُوعِهَا
فَتَجَرَّعَتْ كَأساً دِهاقاً
مِنْ مُشَعْشَعَةِ الشَّفَقْ
فَتَمَايَلَتْ سَكْرَى إلى
كَهْفِ الحَياةِ ولَمْ تُفِقْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَحيبُها
لمَّا هَوَتْ لسُباتِها
يَا شِعْرُ أَنْتَ صُدَاحُها
في مَوْتِها وحَيَاتِها
انْظُرْ إلى شَفَقِ السَّماءِ
يَفيضُ عَنْ تِلْكَ الجِبَالْ
بشُعَاعِهِ الخَلاّبِ يَغْمُرُها
بِبَسْماتِ الجَمَالْ
فَيُثِيرُ في النَّفْسِ الكَئيبةِ
عَاصِفاً لا يَرْكُدُ
ويُؤَجِّجُ القلبَ المُعَذَّبَ
شُعْلَةً لا تَخْمُدُ
يَا شِعْرُ أنتَ جمالُ
أَضْواءِ الغُرُوبِ السَّاحِرَهْ
يا هَمْسَ أَمْواجِ المَسَاءِ
البَاسِماتِ الحَائرَهْ
يا نَايَ أَحْلامِي الحَبيبةِ
يا رَفيقَ صَبَابَتِي
لولاكَ مُتُّ بلَوْعَتِي
وبِشَقْوَتي وكَآبَتِي
فيكَ انْطَوَتْ نَفْسي وفيكَ
نَفَخْتُ كلَّ مَشَاعِرِي
فاصْدَحْ على قِمَمِ الحَياةِ
بِلَوْعَتي يا طَائِرِي