لما شكا قلبي هوى نوار

التفعيلة : البحر الوافر

لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ

وعارِضي كالصُّبحِ في الإسفارِ

والشَّعْرُ منها أَسودُ الشِّعار

كجُنْحِ ليلٍ جَدّ في اعْتِكار

مالتْ من الإنْسِ إلى النِّفار

وأصبحَتْ قاطعةَ المَزار

ولم تكد تَقرُبُ من دِياري

إلاّ طُروقاً بخيالٍ سار

وزادَهَمَّ قلبِها المُطار

إعسارُ شَيخٍ رافعِ الأستار

والجمْعُ بينَ الشّيبِ والإعسار

عند الدُّمَى ذَنْبٌ بلا اغْتِفار

ولا له يُصْغَي إلى اعتِذار

فكلّما لَطّفْتُ لاسْتِهْتاري

عُذْري غدَتْ تومي إلى عِذاري

فعندَ ذاك عَظُمَ افتِكاري

وشَبَّ في قلبي شُواظُ نار

وغلَبتْ حَيْرتِي اصْطِباري

لكنْ لمكْتومٍ منَ الأسْرار

وقَدَرٍ سَعْدٍ منَ الأقْدار

أقبلَ وفْدُ المِهْرجانِ الطّاري

مُعدِّلاً عند ذوي الأبصار

للَّيل والنّهارِ في المِقْدار

فَتَّم صُلْحٌ لا على إنكار

ما بين خَصَمْينِ ذَوَيْ أشجار

من ظُلَمٍ تَجْنى على أنوار

وحَكَم النّاسُ على استبْصار

أنّ استواءَ اللّيلِ والنّهار

قد كانَ بَعدَ ذلك الضِرّار

يَطرَحُ كَفَّ الفَلَكِ الدَّوّار

للشّمسِ في الميزانِ كالدّيِنار

فنَبّهتْني نظرةُ اعْتِبار

وعلَّمتْني شيمةَ المُدار

وهل فتىً في زمَنِ اضْطِرار

بعَجْزِه يَجْرِي ولا يُداري

إلى رُجوعِ زمَنِ اخْتِيار

فقُمْتُ مثلَ الأسَدِ المُثار

ولم أَزلْ بكَثْرةِ التَّدوار

والطّوفِ في الأنجادِ والأغْوار

والقَطْعِ للمَهامِهِ القِفار

مُستَبْضِعاً غُرّاً منَ الأشعار

وحامِلاً دُرّاً إلى بِحار

من خلفاء اللّهِ في الأمصار

أو السّلاطينِ ذَوي الأقطار

أو صاحبٍ قُدّمَ لاسْتِيزار

من كُلِّ نَهّاء الوَرى أمّار

حتّى رجَعْتُ ظاهرَ اليَسار

مُمتِليءَ اليمينِ واليَسار

فكم غَدوتُ وازِنَ النُّضار

ورُحْتُ منه قاضيَ الأوطار

ونلتُ وَصْلَ الكاعِبِ المِعطار

ومَفْرِقي منَ السّوادِ عار

والذّهَبُ المُذهِبُ للأفكار

فالحمدُ للهِ العزيزِ الجار

مُبدّلِ الإقلالِ بالأكثار

ثُمّ الصّلاةُ دائمُ الأدوار

منّا على نَبيِّه المُختار

مُحمدٍّ وآلِه الأخيار

هذا حديثُ قَطْعِيَ البراري

وجَرْيِ أحوالي على المَجاري

حتّى حطَطْتُ الفَقْرَ عن فَقاري

وسفَرتْ عنِ الغِنى أسفاري

فَكَرّ صَرْفُ دَهْريَ الكَرّار

وصار طَعْمُ العيشِ ذي الأطوار

من بَعْدِ إحلاءٍ إلى إمراء

ظِلُّ غنىً آذَنَ بانحسار

فاليوم عاد عائدُ الإقْتار

وما أظُنُّ جابِرَ انكساري

بعد رجائي نَفحاتِ الباري

سوى كريمِ النفْسِ والنِّجار

حَلاّلُ أعلَى قُلَلِ الفَخار

بَنانُه كالدّيمةِ المِدْرار

وشأنُه مَعونةُ الأحرار

مثْلُ رشيدِ الدّين في الكِبار

وقولُ مِثْلُ مُوجِبُ استِغْفاري

فما لَه مِثْلٌ ولا مُجار

وما لَهُ في فَضْلِه مُمار

طَوْدٌ من الأطوادِ ذو وَقار

مُسدَّدُ الإيرادِ والأصدار

عَزْمَتُه كالصّارمِ البَتّار

ورأْيُه زَنْدُ النّجاحِ الواري

إذا انتدَى للحَمِدِ في أيسار

يَضْرِبُ بالسَهْمَيْنِ في الأعشار

أخبارُه عظيمةُ الإكبار

وخَيْرُه مُصغَّر الأخبار

فبَحْرُهُ مُلتَطِمُ التّيّار

وقَطْرُه ما انفَكَّ في انْهِمار

قد زارَنا نَفْديهِ مِن زَوّار

وما قَرأْنا قَطُّ في الأسفار

وما سَمِعْنا قَطُّ في الأسمار

بكعبةٍ سارَتْ إلى الزُّوّار

ولم يَشُدّوا العِيسَ بالأكوار

يا مُحسِناً حمايةَ الذِّمار

اُذكُرْ مقُامي وهْو ذو اشْتِهار

يا غيْرَ محتاج إلى الإذْكار

بمِدَحِ جلَوْتُها أبكار

في مِعصَمْ العلياء كالسِّوار

كَدُرَرٍ يُصَنَّ أو دَرار

فقلْ لعاً إن ذلَّ ذو عِثار

ظامٍ يَعافُ الوِرْدَ للإسْآر

كم ذا أُواري هكذا أُواري

وأَطلُبُ الصّفْوَ منَ الأكدار

في قُرْبِ شَرٍّ طائرِ الشَّرار

وتُرْبِ أرضٍ مُنْبِتِ الأشرار

شُكْري لبَحْرِ جُودِكَ الزَخّار

إذ لا يزالُ طافِحَ الغِمار

وَقْفاً على الغُيّابِ والحُضّار

فأَجْرِ إدْراريَ وهْو جار

مادام حُسْنُ الرّأيِ منكَ جار

واسْمَعْ بديعَ مَدْحِيَ السّيّار

فالدُّرُّ منّى ثَمَنُ الإدرار

أَرْبِحْ بها من صَفْقةٍ للشّاري

يا طالعاً سَعْداً على الدِّيار

طُلوعَ غيثٍ مُسْبِلِ القِطار

قِطارُه تَهمى على الأقطار

وساعياً للنّفع لا الإضرار

وبَثُّ عَدْلٍ عامرُ الأمصار

عيونُها إليه في انتِظار

لا زلتَ نجماً عاليَ التَّسيار

وَحْدتُه تُغْنِي بلا أنصار

غَناءَ ألفِ عسكرٍ جَرّار

يَغدو غُدُوَّ الضّيغَم الهصّار

ما غاب عن غابٍ طَلوبُ ثار

إلاّ وعادَ ظافرَ الأظفار

عشْتَ لمُلْكٍ ثابتٍ القَرار

طويلَ عُمْرٍ طالَ في اقْتِدار

قصيرِ أيّامٍ مِن استِبشار

حتّى تَرى عُمْرَك في الأعمار

يُسمونَهُ الطّويلَ بالقِصار

دُمتَ تَزينُ المُلكَ بالآثار

ما زِينَتِ الرّياضُ بالأزهار


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

خطبن وأيمان الكماة المنابر

المنشور التالي

أيا غائب الشخص عن ناظري

اقرأ أيضاً