حلفت بالساعين يوم الموقف

التفعيلة : بحر الرجز

حَلفْتُ بالسّاعِينَ يومَ المَوقِفِ

وكثْرةِ الدّاعين بالمُعرَّفِ

وضَجّةِ الشُّعْثِ المُلَبِّين ضُحىً

وزَحْمَةِ الحَجيجِ في المُطَوَّف

وزَمْزمٍ والمَرْوتَيْنِ ومِنَى

والجمْرَتَيْنِ والمَقامِ الأَشْرَف

والبُدْنِ تُدمَى والجِمارِ أصبحَتْ

تُرمَى وبَيتِ الحَرَمِ المُسجَّف

وكُلُّ عَينٍ قابلَتْه فانْثنَتْ

مَملوءةً من الدّموعِ الذُّرّف

حَلْفةَ بَرٍّ في أَلا يا صادِقٍ

لو لم يَثِقْ من نَفسِه لم يَحْلِف

لو أَنّ ما وجَدْتُه وصَفتُه

أَيّامَ عُمري كُلَّها لم يُوصَف

من قَلقي السّالفِ حين اعْتادَني

وبَعدَه من طَربي المُستَأْنَف

لِماجِدٍ طارَ فؤادي أَسَفاً

وفَرَحاً من بَعْدِ ذاكَ الأَسَف

يومَ ارتَحلْتُ وهْو حاشاه اشْتكى

ويومَ عاوَدْتُ وقالوا قد شُفي

فقلتُ للدُّنيا وقد تَجدَّدَتْ

أَنوارُها غِبَّ ظلامٍ مُسْدِف

يا عَيْنَ يَعقوبَ ارْجِعي مُبصِرةً

فقد أَعادَ اللهُ وَجْهَ يُوسُف

خَيْر بَنِيك لا عَرفْتُ فَقْدَه

فليس عنه للعُلا من خَلَف

بَدْرُ جلالٍ لا استَسَرَّ أَبداً

وشَمسُ علياءَ فلا تَنْكَسِف

أبلَجُ يَعْصي العاذلِينَ في النّدى

فَعالَ صَبٍّ بالمعالي كَلِف

ما مِثْلُه سَماحةً في شَرَفٍ

يُلْفَى ولا تَواضُعٌ في شَرَف

يَبْسطُ للسّائلِ كَفَّ حاتِمٍ

ويَمنَحُ الجاهِلَ سَمْعَ الأحْنَف

ويُستعارُ من شَبا أَقلامِه

مَضاءُ أطْرافِ القنا المُثَقَّف

فجُودُه نَثْرُ شآبيبِ الحَيا

ورأْيُه حَدُّ الحُسامِ المُرْهَف

للهِ فَخْرُ الدِّينِ مثْل ماجدٍ

أَزْرَتْ يَداهُ بالغُيوثِ الوُكَّف

من سابِقٍ في المكرُماتِ يُقْتَفى

في سَنَنِ الجُود وليس يَقْتَفي

يُصفي الإمامَ نُصْحَه ووُدَّه

وهْو له منَ الأنامِ مُصْطَفى

يُصبِحُ منه كُلَّ يومٍ حادِثٍ

لِبابِه ذا قُربٍ وزُلَف

قد كان وَحْشاً مِدْحتي فاصطادَها

منه كريمٌ حَسَنُ التّألُّف

إذا انتدَى أَصبحَ ظَهْرُ كفِّه

ثَغْراً لباغي العزِّ حُلْوَ المَرْشَف

يُكرِمُ أهْلَ الفَضْلِ حتّى ما لَهُمْ

إلاّ ذُراه أبداً من مَأْلَف

يَمدَحُه بنو الزّمانِ كلُّهمْ

بما لَهمْ من مَنْطقٍ مُؤَلَّف

مِن مُوجِزٍ في مَدْحِه ومُطْنِبٍ

ومن صَريح شِعْرُه ومُقْرِف

والطّيرُ إنْ جاء الرَّبيعُ كُلُّها

داعيةٌ بنُطْقِها المُخْتَلَف

لو كان يَفْنَى الشِّعْرُ أَفْنَوه إذنْ

من وَلَعٍ بمَدْحِه وشَغَف

لكنْ إذا ما كان بَحْرُ جُودهِ

يَمُدُّ بَحْرَ مَدْحِهمْ لم يُنزَف

إلى ذُراهُ قطَعتْ ركائبي

للمجدِ كُلَّ مَهْمَهٍ ونَفْنَف

وقائلٍ يُظهِرُ لي تَعجُّباً

من عُظْمِ ما أَسرَعْتُ من مُنصَرفي

أَكُلَّ عامٍ رحْلةٌ لنَحْلةٍ

هذي بتلك لو علمتَ لا تَفي

والموقفُ الأسمَى يُنَالُ بِرُّه

على النّوى أَكرِمْ به من مَوقِف

والمَجلِسُ السّامي الظّهيرِيَّ له

لك اعْتِناءٌ وهْو ذو تَلَطف

فلو أَقَمْتَ وبَعَثْتَ مِدَحاً

أَغنَتْ عنِ المَسيرِ والتَّعسُّف

والحَجُّ فَرضٌ مرّةً على الفتى

أن يأتيَ البَيتَ بحَمْلٍ الكُلَف

ثُمَّ يُقيمُ ويُصلّي شَطْرَه

واللهُ من عَبْدٍ بذاكَ يَكْتَفي

قُلْتُ جُزيتَ الخيرَ لي من ناصحٍ

أصبحَ عن سَرائري مُستَكْشِفي

فكُلُّ ما أَسمَعْتَنيهِ كَلِمٌ

عن جِهةِ الصّوابِ لم تُحَرَّف

لكنّ لي مَولىً قصَدْتُ نَحوَه

فهْو لِنُعماهُ قديماً مُسْلِفي

فارقْتُه مِن قبلِ ما شاهَدْتُه

فعُدْتُ عَجْلانَ عسى أن أَشْتَفي

أعني ظهيرَ الدّولةِ القَرْمَ الّذي

يَزيدُ بالقَصْدِ له تَشَرُّفي

ما عَوْدَتي إلاّ إلى جَنابِه

واللهُ ربّي عالِمُ السِّرِّ الخَفي

مَولىً لِقَصْدي وقَصيدي عندَه

أضحَى الزّمانُ مُسْعِدي ومُسْعِفي

صَرَّفْتُ دَهْري تحت حُكْمي صاغِراً

مُذْ كان تحت حُكْمِه تَصَرُّفي

وكنتُ قبلَ اليومِ مُستَعطِفَه

فصار من إِجْلالِه مُستَعطِفي

فقُلْ له تَفديه نَفْسي من فتىً

أَصبحَ عُذْرَ الزّمَنِ المُقْتَرِف

أنت العزيزُ فَمُرِ الدَّهْرَ إذنْ

يُوفِ لنا الكَيلَ ولا يُطَفِّف

فقد حَثَثْتُ في عِقالِ أَملي

على النّوى إلى المَحَلِّ القُذُف

واصْرِفْ إلى أوطانِه منّي فتىً

إلاّ إليكَ نَفْسُه لم تُصْرَف

فهكذا إذا أُضيفَ يَنْثَني

مُنْصرِفاً ما ليس بالمُنْصَرِف

بَحرُ أميرِ المؤمنين للنّدى

ورأْيُك السّاحلُ للمُغْتَرِف

فأنت في إيصالِ سَيْبِ كفِّه

مُستَخلِفٌ للقائمِ المُستَخَلف

وكم هَممْتُ أن أُقيمَ ساكناً

وسالِكاً طريقةَ المُخَفَّف

لكنْ لسانُ مجدِكَ الماضي الشَّبا

قال لنفسي اقْترحي وأَسرِفي

فكيف لا يَبذلُ فَضْلَ جاهِه

مَنْ يَبْذُل الأموالَ بَذْلَ المُسْرِف

مَنْ كَفُّه إذا اعتَفاه سائلٌ

أَسمَحُ من قَطْرِ الغمامِ الأَوطَف

تَسخو لأبناءِ الزّمانِ كفُّه

بكُلِّ عَفْوٍ قَبلَه لم يُعْرَف

وخيرُ ما نالَ به الحَمْدَ الفتَى

مالٌ لسَهْمِ الدَّهْرِ كالمُستَهْدَف

فجُدْ به وسُدْ به بَينَ الورَى

وابْذلْه بَذْلاً مِلْءَ كَفِّ المُعْتَفى

فالوَرْدُ من أَغصانهِ بطَبْعِه

مُنتَشِرٌ لابُدَّ إن لم يُقْطَف

جاءتْكَ بِنْتُ ساعةٍ من لَيلةٍ

مَطْبوعةً من غَيرِ ما تكَلُّف

حَسناءُ تُجلَى من بديعِ لَفْظِها

في مثْلِ بُرْدِ الرَّوضةِ المُفَوَّف

من خاطرٍ جارٍ متى ما أَدْعُه

إلى امتداحٍ لكمُ لم يَقِف

كالبَحرِ يُلْقي الدَّهْرَ منه دُرَّه

ليس سوى فكْري لها من صَدَف

إن فُتِنَ النّاسُ بسِحْرِ بابلٍ

أو ملأوا منه بُطونَ الصُّحُف

فلي يَدٌ بيضاءُ إن أظهرتُها

في النّظْمِ مهما يَأْفِكوا تَلَقَّف

وقلَمي في الطِّرسِ ثُعبانٌ إذا

نَضنَضْتُ قال الفَضلُ لي لا تَخَف

إذا ذوو السِّحرِ رأوا آياتِها

أبْدَوْا لديها سَجدةَ المُعْتَرِف

إليك أهْدَى رَمضانُ يُمْنَه

فاقْبَلْ هَديّةَ الولِيِّ المُتْحف

وافَى َبشيراً بُعلُوٍّ زائدٍ

في ظِلِّ شَمسِ دَولةٍ مُؤتَلف

ومَدَّ بالبُشرَى يدَيْ هِلالِه

مثْلَ سِوارٍ فوقَها مُعطَّف

من خِلْعةِ اللهِ عليه إذ سَعَى

إلى ذُراكَ طَلبُ التَّشَرُّف

بدَوْتَ تَسمو للمعالي وبَدا

يُجْلَى لعَيْنِ النّاظرِ المُستَشْرِف

ورُؤْيةُ النّاسِ هلالَيْنِ معاً

في أوّلِ الشّهْرِ مِنَ المُستَطْرَف

فَزادَنا جَمعُكما أُنْساً ولو

وحْدَك للنّاسِ طَلَعْتَ لاكْتُفي

فزِدْ بذا الشّهْرِ الشّريفِ بَهجةً

وَرِدْ جِمامَ العَيشِ عَذْبَ النُّطَف

واعْدُدْ منَ الأعوامِ أَلْفاً مثْلَه

حتّى إذا استْكملْتَها فَنَيِّف

في دولةٍ مَحْسودةٍ عَلياؤها

ما شاقَ تَغْريدُ الحَمامِ الهُتَّف


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أتراها تظنني الطيف لطفا

المنشور التالي

وصال الشمس يهدي الاحتراقا

اقرأ أيضاً