كان المنى إذ تقضى ما عهدناه

التفعيلة : البحر البسيط

كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ

لو كنتَ تَذكُرُهُ أو كنتَ تَنْساهُ

فلو تَذكَّرتَه ناجَيْتَ صاحبَه

ولو تَناسَيْتَه ما ذُقتَ بَلْواهُ

وكيف يَنْسى هوَى الأحبابِ ذو كَلَفٍ

لم يَطْرِفِ العَيْنَ إلاّ هاجَ ذِكْراه

مُغرَى الجفونِ بطَيْفِ الغادرين به

فلو سلا قَلْبُه لم تَسْلُ عَيْناه

هو الخيالُ الّذي يَسْري لموعدِه

فيُقْمرُ اللّيلُ للسّاري بمَسْراه

في البِيِد بُعْدٌ وفي أحبابِنا بَخَلٌ

فمَن هَداهُ ومَن يا قومُ أهْداه

سَرَى إلى سرِّ ليلٍ في جَوانحه

إذا ابتغَتْهُ عُيونُ القوم أخْفاه

أمالَهُ النّوم في ثِنْيَيْ حمائلهِ

ووسَّدَتْه يداً إحْدى مَطاياه

من بَعْدِ كُلِّ يَمانٍ كان يَشْهَرهُ

بما يشاءُ مَن بعَيْنَيْه ويُمْناه

وقَلَّ في حَرْبِ مَنْ تَلْقاهُ فكْرتُه

فيما به من هوَى مَن ليس يَلْقاه

لو كان بالدَّهرِ ما بيَ منه أعجَزَني

حتّى تَسُدَّ به الأسماعَ شَكْواه

وإنّما من رزايا الدَّهرِ واحدةٌ

أنْ يأنفِ الحُرُّ من شَكْوى رزاياه

لعلّ أُخْرَى اللّيالي أن تُساعِفَنا

فليس كُلُّ صُبابِ النَّيْل أُولاه

إنَّ الزّمانَ على ما فيهِ من نُوَبٍ

تَمُرُّ مَرّاً على الإنسانِ حالاه

فكم يَخافُ الفتى مَن كان يَأْملُه

وكم يُرجّي الفتَى مَن كان يَخْشاه

ما فاتَني قَطُّ أَدْنَى الأمرِ أَقْصدُه

إلاّ وأَدركتُ بعدَ الصّبْرِ أَعْلاه

مَخائلُ المجدِ فيما سرْتُ أَطْلُبُه

بها سلا القلْبُ عمّا بِتُّ أَهْواه

وبالأميرِ ولَثْمي للعُلا يَدَهُ

عن الحبيبِ ولَثْمي للهوَى فاه

لم يُبْقِ في القلبِ تَقْبيلي أَناملَه

هَوًى لثَغْرٍ وإن طابَتْ ثَناياه

ذاك البَنانُ الّذي أدنَى مَواهِبه

يُطبِّقُ الدّينَ والدُّنيا بنُعْماه

لثَمْتُه ونظَمْتُ القولَ أَمدَحُه

ولم أَكنْ لأُجيدَ المَدْحَ لَولاه

وإنّما هو بحرٌ غاصَ فيه فَمي

فجاء بالدُّرِّ منه ثُمَّ أَهْداه

للهِ أَنت بهاءَ المُلْكِ مِن مَلكٍ

له من الفخرِ أَقْصاهُ وأَدْناه

لو لم يَرِثْ كُلَّ هذا المجدِ أَوَّلُه

كَفاه من ذاك ما نالَتْه كَفّاه

واليُمنُ أَجمَعُ موصولٌ بيُمْناهُ

واليُسرُ أَجمَعُ مأمولٌ بيُسْراه

والدّهرُ ثُلْمتُه في أَخْذِ مُدَّتِه

والمُلْكُ مَفْخرُه في خَطِّ طُغْراه

يأتي الكتابُ به والعِزُّ طَيَّبَه

حتّى كأنَّ الّذي أَملاهُ أَعْداه

إذا بدا من بَعيدٍ فالخُطا قُبَلٌ

إليه في الأرضِ والأقدامُ أَفواه

لابُدَّ مِن أَن تَخِرَّ الهامُ ساجدةً

إن لم تكُنْ مِن مُطيعيهِ فقَتْلاه

لمّا دُعيتَ بهاءَ المُلْكِ كنتَ له

فَخْراً على كُلِّ مَلْكٍ كان باهاه

ومُذْ دُعيتَ ظهيرَ الدّينِ صار حِمىً

إذا تَعرَّضَ للباغي تَحاشاه

ومُذْ دُعيتَ كمالَ الدّولةِ اعتدلَتْ

برَأْيكَ المُنْتَضَى في الخَطْبِ سَيْفاه

ومُذْ دُعيتَ جمالَ الملّةِ ابْتَهَجَتْ

بوَجْهِك المُدَّعي للبَدْرِ مَرْآه

أَلقابُ مَجدٍ كسَتْ عُلياكَ مَنْطقَها

صدْقاً فجاء كأَنَّ اللهَ أَوْحاه

وحُسْنُ لَفْظٍ على ما لا خفاءَ به

لكنَّ أَحسنَ منه حُسْنُ مَعْناه

لقد حلَلْتَ من السُّلطانِ مَنزلةً

تَناولتْ من رفيعِ المَجْدِ أَقْصاه

حمَيْتَ دولتَه فاعتزَّ جانبُها

وذُدْتَ عن مُلْكه فاشتدَّ رُكْناه

وبَركَيارُقُ فيك اليومَ مُلْتَمِسٌ

ما في أَبيكَ رأَى قِدْماً مَلِكْشاه

فدُمْتُما مثلما داما على نَسَقٍ

ولا تَزولا كما زالا بعُقْباه

ولا سعَى فيكما بالبَغْيِ ذو حَسدٍ

إلاّ وردَّ عليه اللهُ مَسْعاه

ولا عدا المَرْقَدَ المَغْبوطَ ساكنُه

مُضاعفٌ من صَلاةِ اللهِ يَغْشاه

وأَنت أحيَيْتَ من أَخلاقِ سُؤْدَدِه

وقد مضَى ما على التَّحقيقِ أَحْياه

لقد فقَدْناهُ مَعْدوماً مُقارِنُه

وجئْتَنا فكأنّا ما فَقدْناه

نازعْتَه الشَّبْهَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ

حتّى لَما زِدْتَنا لو كنتَ إيّاه

ولا يُعَدُّ نظامُ المُلكِ مُنْقَطِعاً

ما دام مثْلُك فينا من بَقاياه

خُلقْتَ بينَ بَنيهِ الغُرِّ واسطةً

من حَوْلها الدُّرُّ ملْءَ العِقْدِ يَزْهاه

كلٌّ نَفيسٌ فليس الفَرقُ بينكما

إلاّ بأنّك فَرْدٌ وهْيَ أَشْباه

ونَسألُ اللهَ جَمْعَ الشَّمْلِ بينكمُ

فذاك أَشْرَفُ شَمْلٍ يَجْمَعُ الله

فزاد نعمةَ مَوْلانا وضاعفَها

لدينِ كُلِّ فتىً منّا ودُنْياه

وَلْيَهْنِه العِيدُ أَعني الدّهْرَ أَجمعَهُ

وقد تَساوى به في الحُسْن وَقْتاه

ولم نَخُصَّ له يوماً بتَهْنئةٍ

أَيّامُه كلُّها مِمّا نُهنّاه

أَعيادُ عامكَ يا عبد الرّحيم أَتَتْ

بعِدَّةِ اسْمِك فيما قد حَسِبْناه

أَمّا وقد سَعدت عَيْني بطَلْعتهِ

وأدركَ القَلْبُ منها ما تَمنّاه

فلا طلبْتَ سواه بعدَ رُؤْيته

لا يَحْسُنُ العَبْدُ إلاّ عند مَوْلاه


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

وقيت ما فيك أتقيه

المنشور التالي

تنفس الروض وهو بشراه

اقرأ أيضاً