للمرء في حادثات الدهر آمال

التفعيلة : البحر البسيط

للمرء في حادثات الدهر آمالُ

وللنوائب أقدامٌ وأجفالُ

وكل ليل لهُ من ذاته سحرٌ

وللبكور من الأيام أصالُ

وبينما المرء في يسر يدور بهِ

عسرٌ كذاك مع الأدبار إقبالُ

إن أكثر الدهر من أمنٍ ومن زنةٍ

فلا تغرُّ ففي الأكثار اقلالُ

فكن مع الدهر ذا أمنٍ ومن زنةٍ

فلا تغرُّ ففي الإكثار اقلالُ

ولا يدوم به صفوٌ ولا كدرٌ

ولا تدوم مسراتٌ وأوجالُ

ولا تقل ذا لحلمٍ ساد مرتفعاً

ولا تقل ذا لجهل سآه الحالُ

كم ساد في رتب العلياء رب حجىً

وكم تحكم في العلياء جهالُ

حكمٌ من اللَه أعيى كل ذي حكمٍ

وقد تطاول فيه القيل والقالُ

كأنما الدهر من حلمٍ ومن جهلٍ

مؤلفٌ وهو في الحالين فعالُ

يرقى الجهول غداة الجهل من زمنٍ

ويرتقي عند حلمِ الدهر عقالُ

فشاكل العز إن لم تلق ميسرةً

فإنما العز حلالٌ ورحالُ

وقل لربعٍ بكى يوم الرحيل شجى

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ

فالعز عند رسيم اليعملات فلا

تقم على الضيم أو تخدعك اطلالُ

إذا أفيضت كؤوس الصاب في بلد

يفيض في غيرها شهدٌ وجريالُ

وإن تكدر في أحواله وطنٌ

تصفو بآخر أوطانٌ وأحوالُ

فاطو القفار وخير الصحب منجردٌ

قيد الأوابد أو عوجاءُ مرسالُ

وثابت لا يهز الخطب جانبهُ

قلبٌ لهُ من شديد البأس أوصالُ

وأدر أبذي لجج دهمأ ذات لظىً

لها الفراسخ والفلوات أذيالُ

يشق حيز ومها صدر الغمار وفي

أحشائها من لهيب النار تشعالُ

تمزق الريح فوق الماء جارية

فكل ريحٍ أتتها فهي مكسالُ

إذا تبسم في الخضرا لها سحرٌ

يميتها في سر نديبٍ أصيلالُ

لا تيأسنّ أخا البأساء من فرجٍ

يأتيك من حيث لا يرتاده البالُ

طمن فؤادك إن اللَه ذو كرمٍ

واربأ بنفسك إن سامتك أهوالُ

من ذا الذي لم تصبه قط نائبةٌ

فالناس كلهمُ في تلك أمثالُ

إن الورى غرضٌ للنائبات فلا

يصان منها صعاليكٌ وأقيالُ

إن عشت لا تعدم الخيرات في زمنٍ

وإن تمت فلكل الناس آجالُ

ماذا تؤمل من دهر أخي حمق

عذب الفراة سواء فيهِ وآلالُ

قد أكثر الدهر من غدرٍ ومن نكدٍ

وما رعى ذمةً إذ قام يغتالُ

لا يفي كل مرءٍ حق شيمتهِ

تبت يداه أفي عينيه أغفالُ

لا ذنب للدهر إن الدهر ليس لهُ

حكمٌ وإن كثرت في ذاك أقوالُ

إنما الدهر افعال الرجال فإن

تخط النهى نسبت للدهر أفعالُ

يا صاحبي دعاني من ملامكما

وأقصرا إن هذا اللوم قتالُ

ليس الملامة بعد الفوت نافعةً

ماذا تفيد وأزجى الهم إرسالُ

فالشمس يصحبها بعد الضحى طفل

ويعتري البدر إخفاءٌ وإهلالُ

يا ليت شعري عن لبنان عندكما

علم وعن دارة القمراء تسآلُ

ومعشرٍ وهبوا الهيجا نفوسهمُ

ولم يُغَرُّ لهم قومُ ولا آلُ

ليت الذي حل من جبنٍ ومن فشل

بقومهم حلهُ غضبٌ وعسالُ

سل المعالي والسمر العوالي هل

للأمر إلّا ذكي الحلم ريبالُ

فمن أضاعوه فالعلياء شاهدةٌ

لهُ وتشهد أعوامُ وأجيالُ

كأنه في صدور المجد بدر دجىً

دارت بهِ كالنجوم الشهب أنجالُ

كأنه بهم والحرب دائرةٌ

على كتائبها ليثٌ وأشبالُ

يا نسمة من ربى لبنان واردة

عليلة لم يعقها قط اعلالُ

سرت فنمّ سراها عرف رابيةٍ

قد جادها من عميم الجود هطالُ

فهل تذكرت الأحباب ما عهدوا

من عهدنا ام تناسوه بما نالوا

قد يسأم المرء ما في كفه فإذا

نأى تذكره والجفن سيالُ

إن قلت صبراً فإن القلب علمه

من الحداثة حسن الصبر عذالُ

أبيت بين الهوى والصبر يعذلني

في الصبر والحب أسراع وأمهالُ

استودع اللَه ربعاً قد عفى طللاً

بعد الفراق ظبياً سأه الفالُ

وبدر حسنٍ روى لما شكا أسفاً

للمرء في حادثات الدهر آمالُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

مذ جئت اسلامبول شمت محاسنا

المنشور التالي

أقبلت تنجلي وفي معطفيها

اقرأ أيضاً

مخبرتي برقة أحواج

مُخبِرَتي بُرقَةُ أَحواجِ عَن ظُعُنٍ سارَت وَأَحداجِ طَوعَ رَواحٍ وَجَّهوا لِلنَوى عيرَهُمُ أَم طَوعُ إِدلاجِ أَسقى السَحابُ الغُرُّ…