وافاك بالذنب العظيم المذنب

التفعيلة : البحر الكامل

وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ

خَجِلاً يُعَنِّفُ نفسَهُ ويُؤَنِّبُ

لم لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بِدِمائِه

ذو شيبَةٍ عَوْرَاتُها مَا تُخْضَبُ

لَعِبَتْ به الدّنيا ولولا جَهْلُه

ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعبُ

لَزمَ التَّقَلُّبَ في مَعاصِي رَبِّهِ

إذْ باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلَّبُ

يستغفِرُ اللَّهَ الذُّنوبَ وقلبُه

شرِهاً على أمْثالها يَتَوثَّبُ

يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ

فكأنَّهُ فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ

أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً

فكأنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ

ضاقَتْ مذاهِبُه عليه فما لَه

إلَّا إلى حَرَمٍ بِطَيْبَةَ مَهْرَبُ

مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ

لكنه بِرَجَائِه مُتَسَبِّبُ

وقَفَتْ بِجاهِ المصطفى آمالُه

فكأَنه بذنوبه يَتَقَرَّبُ

وَبَدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ

بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ

صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ مَطامِعي

في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ

لِم لا يغارُ وقد رآني دونَه

أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أطلُبُ

ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ

وصَحائِفي سُودٌ ورأْسِيَ أشْيَبُ

والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي

يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ

بَشَرٌ سَعِيدٌ في النُّفُوسِ مُعَظَّمٌ

مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحَبَّبُ

بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ

وبيَانِ مَنْطِقِه تَشَرّفَ يَعْرُبُ

مِصْباحُ كلِّ فضيلةٍ وإمامُها

وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنْسَبُ

رِدْ واقْتَبِسْ مِنْ فَضْلِهِ فبِحارُه

ما تَنْتَهِي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ

فلكلِّ سارِ مِنْ هُداهُ هِدايَةٌ

ولكلِّ عافٍ مِنْ نَداه مَشْرَبُ

وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالع

ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ

مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاؤُهُ

فيه الوُجُودُ مُنَوَّرٌ ومُطَيَّبُ

وَهَبَ الإِلهُ لهُ الكمالَ وإنَّهُ

في غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ ما لا يُوهَبُ

كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسْرِي به

فعُلُومُهُ لا شيءَ عنها يَعزُبُ

وَلِقَابِ قَوْسَيْنِ انْتَهَى فمَحَلُّهُ

مِنْ قابِ قَوْسَيْنِ المَحَلُّ الأقْرَبُ

ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً

فيه كما زَعَمَ المُكَيِّفُ مَنْكِبُ

فاتَ العبارَةَ والإِشارَةَ فضلُهُ

فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ

صَدِّقْ بما حُدِّثْتُ عنه فَفي الوَرَى

بالغيْبِ عنه مُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ

واسمَعْ مناقِبَ للحبيبِ فإنّها

فِي الحُسْنِ مِنْ عَنْقَاءَ مُغْرِبَ أغْرَبَ

مُتَمَكِّنُ الأخلاق إلّا أنّه

في الحُكمِ يَرْضَى للإلهِ وَيَغْضبُ

يَشْفِي الصُّدُورَ كلامُه فدواؤُه

طَوراً يَمُرُّ لها وطَوْراً يَعْذُبُ

فاطْرَبْ لتَسْبِيحِ الحَصَى في كَفِّهِ

فَمِنَ السَّماعِ لِذِكْرِهِ ما يُطرِبُ

والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمغْرَمٍ

قَلِقٍ بفَقْدِ حَبيبِه يَتَكَرَّبُ

وَسَعَتْ له الأحجارُ فهْيَ لأَمرِه

تأْتي إليه كما يشاءُ وتَذْهَبُ

واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ

وَمِنَ الجِبَالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ

والنَّخْلُ أثْمَرَ غَرْسُه في عامِه

وَبَدَا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهَبُ

وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكَرا

فكأنّه من دِيمَةٍ يَتَصَبَّبُ

والشَّاةُ إذْ عَطشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ

وهمُ ثلاثُ مَئِينَ مما يَحْلُبُ

وشفَى جميعَ المُؤْلِمَاتِ بِريقِه

يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ

وَمَشَى تُظلِّلُهُ الغَمامُ لِظلِّها

ذَيْلٌ عليه في الهواجر يُسْحَبُ

وَتَكَلَّمَ الأطفالُ والمَوْتَى لَهُ

بِعجائِبٍ فليَعجَب المُتعجِّبُ

والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَةٍ

سَيْفاً وليس السَّيفُ مما يُحْطَبُ

وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً

يَوْمَ الوَغَى إذْ كلُّ عَيْنٍ تُقْلَبُ

وأضاءَ عُرْجُونٌ وَسَوْطٌ في الدُّجى

عَنْ أمرِهِ فكأنَّ كُلّاً كَوْكَبُ

وكأنَّ دعْوَتَهُ طليعَةُ قَوْلِ كُنْ

ما بَعْدَها إلا الإجابةَ مَوْكِبُ

تَحظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ

فكأنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ

للناسِ فيها وابلٌ وصواعقٌ

نَفْسٌ بها تَحْيا ونَفسٌ تَعْطَبُ

والمَحْلُ إذْ عَمَّ البِلادَ بَلاؤُهُ

والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويجنِبُ

واسْتَسْلَمَ الوَحْشُ المَرُوعُ لِصَيْدِهِ

جُوعاً وصرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدُبُ

والذِّئْبُ مِنْ طولِ الطَّوَى يَبْكي عَلَى

رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ

والناس قد ظنُّوا الظُّنُونَ كأنَّما

سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ

لم تَبْكِ للأَرْضِ السماءُ به ولا

رَقَّتْ لِشائِمِها البروقُ الخلَّبُ

فَدَعَوْكَ مَخْبُوءاً لكلِّ كَرِيهةٍ

جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدبُ

فَرَفَعتَ عَشْرَاً مِنْ أنامِلَ داعياً

فانْهَلَّ أُسبوعاً سَحابٌ صَيبُ

فطَغَى عَلَى بُنْيانِ مكّةَ ماؤُهُ

أو كادَ يَنْبُتُ في البُيوتِ الطُّحْلُبُ

لَولا سألتَ اللَّهَ سُقيا رَحْمةٍ

ماتَتْ به الأحياءُ مما يَشربوا

فإذا البلادُ وكلُّ دارٍ رَوْضَةٌ

فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ

قد جئتُ أَسْتَسْقِي مكارِمَكَ التي

يَحْيا بها القَلْبُ المواتُ ويُخصِبُ

يا مَنْ يُرَجَّى فِي القيامةِ حيث لا

أُمٌّ تُرَجَّى للنّجَاةِ ولا أبُ

يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ الْ

مِنَنِ الجِسامِ إليكَ منك المهرَبُ

هَبْ لِي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادةً

ما تُسْتَعادُ ونِعمةً ما تُسْلَبُ

أيَضيقُ بِي أمرٌ وبابُ المصطفى

في الأرضِ أوسَعُ للعُفاةِ وَأرْحَبُ

لا تَقْنَطِي يا نفْسُ إِنَّ تَوَسُّلِي

بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخَيَّبُ

أنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ

بمَدَائحي خيرَ الأنامِ ومَغْرِبُ

آلَ النبيِّ وَمن لهم بالمصطفى

مَجْدٌ على السَّبْعِ الطِّباقِ مُطَنِّبُ

حُزْتُمْ عظيماً مِنْ تُراثِ نُبُوَّةٍ

ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ

اللَّهُ حَسْبُكُمُ وَحَسْبِي إنني

في كلِّ مُعْضِلَةٍ بِكُمْ أتَحَسَّبُ

يا سادتي حُبِّي لكم ما تَنْقَضِي

أعمارُهُ وَحِبالُه ما تُقْضَبُ

مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فحصونُهُمْ

بِيدٌ بأطرافِ الرِّماحِ تُؤَشّبُ

ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ

كَلَّا وَلا لحُسامِ رَيْبٍ مَضْرِبُ

وَعَلَى الخَصاصَةِ يُؤْثِرُونَ بزادِهِم

وَيَلَذُّ مِنْ كَرَمٍ لهم أنْ يَسْغَبوا

لا تَنْزِعُ اللُّوَّامُ أثْوَابَ النَّدَى

عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا

جُبِلُوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم

حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالةِ يُعْرِبُ

فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى

تَأْبَى نُهاهُ قِتالَ مَنْ لا يُغْلَبُ

جاءتْ عجائبُهُم أمامَ عجائِبٍ

أُمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبْلَى مُقرِبُ

ما بالُ مَنْ غَضِبَ الإلهُ عليهم

حادوا عن الحقِّ المُبِينِ ونَكَّبُوا

كفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤُهم

جَرِبَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَصِحَّ الأجربُ

هلَّا تَمَنَّى المَوْتَ منهمْ معشرٌ

جَحَدُوهُ فامْتَحَنوا الدَّواءَ وَجَرّبُوا

أفيُؤْمِنُون بِهِ وَمِمَّن جاءهم

بالبَيِّنَاتِ مُقَتَّلٌ وَمُصَلَّبُ

عَبَدُوا وموسى فيهمُ العجل الذي

ذُبِحوا بهِ ذَبحَ العجولِ وعُذِّبوا

وصبَوا إِلى الأَوثانِ بَعدَ وَفاتِهِ

وَالرُّسْلُ مِنْ أسَفٍ عليهم تَنْدُبُ

وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلِينها

خِلُّ يَلُومُ ولا عَدُوٌّ يَعْتِبُ

وَأخو الضَّلالَةِ قالَ عيسى ربُّه

وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ

ويقول خالِقُه أبوهُ وإنَّه

رَبٌّ وإنسانٌ أَلا فَتَعجَّبوا

أبِهَذِهِ العَوراتِ جَاءَتْ كُتبُهُم

أمْ حَرَّفوا منها الصَّوابَ وَوَرَّبُوا

فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعُه

فكأنها بين النُّجُومِ العَقْرَبُ

عَجَباً لهمْ ما بَاهَلوه ولِم أبَتْ

أحْبارُ نَجرانَ الّذينَ تَرَهَّبُوا

ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لقَومِهِ

وإليهمُ يُعزَى البيانُ ويُنسَبُ

فتَهَيَّبُوه وما أتَوْهُ بِسُورَةٍ

مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهَيَّبُ

مَنْ لَمْ يُؤَهِّلْهُ الإلهُ لحَالةٍ

فاتَتْهُ وهْوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ

عَجَباً لهم شَهِدُوا لهُ بأمانةٍ

حتى إذا أدَّى الأَمانة كَذَّبوا

وارتابَ فيه المشركون ولَمْ يَزَلْ

بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ

جَحَدُوا النبيَّ وقد أتاهم بالهُدَى

لَولا القضاءُ سألتَهُمْ ما المُوجِبُ

للَّهِ يومُ خروجِه منْ مكةٍ

كخروجِ موسى خائفاً يَتَرَقَّبُ

والجِنُّ تُنْشِدُ وحْشَةً لِفِرَاقِهِ

شِعْراً تَفيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ

والغارُ قد شَنَّتْ عليه غارةً

أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا

أرَأيتَ مَنْ يَجفو عليه قَوْمُه

تَحْنُو عليه العنكبوتُ وتحْدَبُ

إنْ يكفروا بكتابِهِ فكتابُهُ

فَلَكٌ يَدُورُ على الوُجُودِ مُكَوْكَبُ

قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به

فَبَدا الصَّباحُ وجَنَّ منه الغَيْهَبُ

فتصادمَ الحَقُّ المُبينُ وإفكهُم

فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تَتَشَعَّبُ

فدَعوْا نَزال فأَوْقَدَتْ نيرانَها

سُمْرُ القَنا وَالعادِيَاتُ الشُّزَّبُ

فإذَا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدَهُ

ذرِّيَّةً تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ

غالَتْ بُغاثَهُمُ بُزَاةُ كَرِيهَةٍ

أظفارُها في كل صَيْدٍ تَنْشَبُ

حتى بكى عَمراً هِشامٌ في الثَّرَى

مِنْ ذِلَّةٍ وَنَعَى حُيَيّاً أَخْطَبُ

لا تُنْكِرُوا بُغْضِي عَدُوَّ المُصطفى

إني بِبُغْضِهِمُ لهُ أَتَحَبَّبُ

أقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نارُ قَرِيحتي

أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ

هذا وَنُطْقِي دائماً بِمَدِيحِهِ

أذكَى مِنَ الوَرْدِ الجَنِيِّ وَأطْيَبُ

أُهْدِي له طِيبَ الثَّنَاءِ وإنّه

لَيُحِبُّ أنْ يُهْدَى إليه الطَّيِّبُ

أُثْنِي عليه تَشَوُّقاً وتَعَبُّدَاً

لا أنّني لِصفاتِهِ أسْتَوْعِبُ

مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ

وكلاهُما مِنْ خَيْرِ ما يُستَصْحَبُ

أشْتَاقُ للحَرَمِ الشَّرِيفِ بِلَوْعَةٍ

في القلبِ تَحْدُو بي إلَيْهِ وَتَجْذِبُ

ما لي سِوَى ذِكْرَى لهُ في رِحْلَتِي

زَادٌ وَلا غَيرُ اشْتياقِي مَرْكَبُ

وَتَحِيَّة مني إليه يَرُدُّهَا

منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ

صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ صلاتَهُ

فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ

ما حنَّ مُشْتاقٌ إلى أوطانِهِ

مِثْلي ورَاحَ بِوَصْفِها يَتَشَبَّبُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لا تظلموني وتظلموا الحسبه

المنشور التالي

بمدح المصطفى تحيا القلوب

اقرأ أيضاً

وعليلة اللحظات يشكو قرطها

وَعَليلَةِ اللَّحَظاتِ يَشْكو قُرْطها بُعْدَ المَسافَةِ مِنْ مَناطِ عُقُودِها حَكَتِ الغَزالَةَ وَالغَزالَ بِبُعْدِها وَبِصَدِّها وَبِوَجْهها وَبِجيدِها فَمنالُ تِلكَ…