بائع المسابح

التفعيلة : نثر

عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرهْ
يا خواجة،
مَن يشتري منّي بليرهْ
أيَّ حاجهْ…

ومضى يُدلّلُ حاملاً
بعضَ البضائعْ
وصغيرتانْ
في إثرِهِ تتراكضانْ،
لا شيءَ يكسو منهما الأجسادَ
إلاَّ في الوَسَطْ،
أسمالُ أو بعضُ الخِرَقْ.

صُغراهما تبكي،
وأمّا أختُها،
تلكَ الكبيرهْ،
لكنّها ليستْ كبيرهْ
رَجعُ الصَّدى
لشقيقها البيّاعِ طوّافِ الشّوارِعْ:
“عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرَهْ
يا خواجَهْ…
مَن يشتري منّي بليرَهْ
أيَّ حاجَهْ….؟!”

وهناكَ في الدوّارِ
حيثُ تَجَمهرَ الجمعُ الغفيرْ
يندسُّ بينَ الناسِ
علَّ نصيبَهُ الرزقُ الوفيرْ
ويدوسُ في وسْطِ الزَّحامْ
في رِجلِهِ الملآى غبار،
الحافيَهْ،
نعلَ جُنديٍّ يجوبُ شوارعَ البلدِ الكئيبَهْ،
يا للمُصيبَهْ!
ها قد تلطَّخَ نعلُ جنديِّ الحراسَهْ…
ما ذاكَ غير تحرّشٍ
مُتَعِمَّدٍ،
يا للنجاسًَهْ!

واحمرَّ وجهُ الفاتحِ المكمودِ
واحتدَمَ الغضَبْ:
لا بدَّ من تأديبِ ذيَّاكَ الشقيّْ
لا بُدَّ من تأديبهِمْ
كلّ العربْ!

وهوى بقبضتِهِ الثقيلةِ ضاربًا متنَ الصبيّْ
فَهوى الصبيُّ،
تبعثرَت سُبحاتُهُ في كلِّ صَوبْ
وعطورُهُ في كلِّ صَوبْ…

لا أنّةً كانتْ،
ولا حتّى صراخًا مِن ألم،
قد كتَّمَ المسكينُ غيظًا
في جوانِحِهِ احتدَمْ
بَيْنا مضى الجنديُّ مختالاً
بنصرِ المنتقِمْ
فلقد ثأرْ
لحذائِهِ المُغبَرِّ،
مِن طفلٍ ثَأَرْ،
ويسيرُ مَزهوًّا
ويتركُ خلفَهُ القومَ الـ…بقرْ!

ويلملمُ الطفلُ الجريحُ حوائجَهْ
وبغيرِ كِلمَهْ،
عيناهُ دامعتانِ، لكِنْ
فيهما مليونُ نقمَهْ
مليونُ تعبيرٍ ومعنى…

ويمدُّ يمناهُ لأختيهِ
ويمضي يبتسِمْ،
“لا، لستُ أشعرُ بالألمْ،
هيَّا، فما زالتْ لنا بعضُ اللّعَبْ،
صمَدَتْ ولم تعرفْ عَطَبْ
والشمسُ في عزِّ الظهيرَهْ
فهلمّ يا أختي الصغيرْ…
عِطرٌ وسُبحاتٌ بليرَهْ
يا خواجَه،
مَن يشتري منّي بليرَه
أيَّ حاجَه!


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

في صحارى التيه

المنشور التالي

غضب التراب

اقرأ أيضاً