عادَ له الدَّهْرُ كما قد بدا
فراحَ في صَبْوَتِهِ واغْتَدَى
وفائِض العَبْرَةِ ذي حَنَّة
يَسْرِي ولا يقدِرُ أَن يَبْعُدا
قُلِّدَ كالعِقْدِ بأَولادِهِ
فَقَلَّدَ الدَّوْحَ بما قُلِّدا
وراح يستَرْفِدُ من غَيْرِهِ
وإِنَّما اسْتُرْفِدَ كي يَرْفُدا
تنبعِثُ الأَمواهُ منه إِلى
خَوَرْنِقٍ أَبيضَ قد جُعِّدا
كأَنما الموجُ على متنِهِ
صرحُ سليمانَ الذي مرَّدا
ومجلسٍ شَقَّ تفارِيجَهُ
نَهْرٌ كما شَقَّ الطَّروبُ الرِّدا
يلعب كالأَيْمِ فإِن درَّجَتْ
منه الصَّبا أَبْصرْتَهُ مِبْرَدَا
تنحَدِرُ الكاساتُ في مَتْنِهِ
فتَذْكُرُ العيُّوقَ والفَرْقَدا
كَلَّل شَطَّيْهِ أُولُو هِمَّةٍ
مدَّتْ لهم في الطَّيِّباتِ المَدَى
قد جَعَلُوا اللَّهْوَ مطاياهُم
وقد كَبَتْ عنهُمْ صُروفُ الرَّدَى
ونافخٍ في صُورِ ناياتِهِ
يُحْيِي المَسَرَّاتِ كما عوَّدا
تلا المزاميرَ بمِزْمارِهِ
لَحْنًا فَخَرَّيْنَا له سُجَّدا
وروْضِ يُسْتانٍ بجنَّاتِهِ
تَعْبَقُ في راحَةِ قَطْرِ النَّدى
ذابَ له الغَيْمُ لُجَيْناً وقَدْ
جَمَّدَ في أَغصانِهِ عَسْجَدا
تَضْحَكُ في أَحشائِهِ لُجَّةٌ
أَرَقُّ من دمْعةِ مَنْ أُكْمِدا
فِسْقيَّةٌ يرشُقُ حافاتِها
بأَسهُمٍ ليستْ تُبيدُ العِدا
هذِي هِيَ الجَنَّةُ قد عُجِّلَتْ
لو كانَ فيها أَحدٌ خُلِّدا