قلت للبحرِ إذ وقفت مساء

التفعيلة : البحر الخفيف

قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء

كم أطلتُ الوقوفَ والإصغاءَ

وجعلتُ النسيمَ زاداً لروحي

وشربتُ الظلالَ والأضواءَ

وكأنَّ الأضواءَ مختلفاتٍ

جعلت منكَ روضةً غنَّاءَ

مرَّ بي عطرُهَا فأسكرَ نفسي

وسرى في جوانحي كيفَ شاءَ

فاطَّرحتُ الهمومَ والأعباءَ

ونسيتُ العذابَ والبرحاءَ

وكأني أرى بعين خيالي

ساهرَ المقلتين يغضي حياءَ

وكأن الوجودَ لم يحوِ إلا

حُسنَه والطبيعةَ الحسناءَ

نشوة لم تطل صحا القلبُ منها

مثلَ ما كانَ أو أشدّ عناءَ

إنما يفهم الشبيهُ شبيهاً

أيها البحر نحنُ لسنَا سواءَ

أنتَ باقٍ ونحن حَرب الليالي

مزقتنا وصيرتنا هَباءَ

أنت عاتٍ ونحنُ كالزَّبَدِ الذا

هبِ يعلو حينا ويمضي جفاءَ

وعجيبٌ إليكَ يمَّمتُ وجهي

إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ

أبتغي عندك التأسي وما تملكُ

ردَّا ولا تجيبُ نداءَ

كل يوم تساؤلٌ ليت شعري

مَن ينبِّي فيحسنُ الأنباءَ

ما تقولُ الأمواجُ ما آلم الشم

سَ فولَّت حزينةً صفراءَ

تركتنا وخَلَّفَت ليلَ شكٍّ

أبَدِيٍّ والظلمةَ الخرساءَ

يا لهذا الجلالِ والأبدِ المجهولِ

يزدادُ حيرةً وخفاءَ

روعتني ضآلةُ الناسِ فيه

فبكيتُ الحياةَ والأحياءَ

وبكيتُ الغرورَ والأملَ الوا

سعَ والسخطَ والرضا والرياءَ

ما تُرجِّيه ريشةٌ في مهب الريحِ

تَلقى الإعصارَ والأنواءَ

ما يرجيه ذلك القبسُ الخا

بي وشيكاً كأنه ما أضاءَ

والخَيالُ الذي تراءى وولَّى

غيرَ وانٍ كأنه ما تراءى

نحن ألعوبةُ القضاءِ ومن

يملك أمراً ومن يردُّ القضاءَ

ولعلَّ القضاء يسخر مني

حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ

فليدعني القضاءُ أبكي لأشفى

لم تَدَع ذلةُ الهوى كبرياءَ

لاح خلفَ الدموعِ وجهُ حبيبٍ

لا أرى غيرَه لقلبي عزاءَ

قلتُ للقلبِ جاءَ ريك فانهل

كم ظمئنا فما وجدنَا الماءَ

لم تُثِبنَا الحياةُ إلا بهذا

حسبنا وجهُه الجميل جزاءَ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

بي ما تحس وفي فؤادك ما بي

المنشور التالي

بين الضنى والملالِ

اقرأ أيضاً