وَقفٌ عَلى الفيضِ أنفاسٌ مصعَّدةٌ
وَأدمعٌ أرْسَلَتْهُنَّ الجفونُ دما
تنكَّرَ الدهرُ واربدَّتْ مخايلُه
من بعدِ نكثتْ أيامُه الذمما
فكلُّ ساعةِ أُنسٍ أَوْرثتْ حزناً
وَكل راحةِ نفسِ أعقبتْ ألما
لا تدَّخرْ جَلَداً أو مدمعاً لغدٍ
ما بعد ذا اليوم ما يُخشى وَإِنْ عظما
فهل أتاكَ حديثُ التاجِ حين هوى
والعرشُ لما وَهى (بالشام) فانهدما
عزَّ (النبيَّ) وَخَفِّفْ (للوصيِّ) أَسىً
فالبثُّ خامَرَ منذ اليوم قلبهما
وابرد غليلَ (أَبي بكر) وَ (صاحبه)
وَواس (عثمانَ) في خطبٍ طغى وَطما
شاطرْ بني (عبد شمس) ما أَهمَّهم
(مروانّهم) و (الأشجَّ) العدلَ والحكما
وَآس من آل (عباس) (رشيدهمُ)
و (الهاديين) و (مأْمونا) و (معتصما)
ما أصعبَ الحزنَ إنْ باح الحزينُ به
وَما أحرَّ عَلَى الأَحشاء منكتما
زرْ ساحةَ القصرِ قصر الملكِ تَلْقَ به
ما يجعلُ العينَ تذري الدمعَ منسجما
أرجاؤه مقشعراتٌ لقد نشرتْ
كآبةُ البينِ في أجوائه غمما
أضحتْ خلاءَ مغانيه وآزره
من مرهفٍ مخذماً أو مرهف فلما
وَموقفٍ عَبَسَ الموتُ الزؤامُ به
كان (الوزير) به جذلان مبتسما
يبوِّئُ القوم للهيجا مقاعدَهم
من هابطٍ وادياً أو مرتقٍ أَكما
ما زال يقدمُ والأبطالُ محجمةٌ
حتى المنية منه أَصبحتْ أمما
فما تردَّدَ في تفضيلِ موردِها
عن أَنْ يقال (وَزير الحربِ) قد هُزما
في ذمةِ اللهِ أشلاءٌ مجندلةٌ
تقحَّمتْ جاحمَ الهيجاءِ مضطرما
قد أبلغوا النفسَ عذراً في مصارِعهم
وَمبلغٌ نفسَه عذراً كَمَنْ سلما
ما (العلقميُّ) وَإِنْ جلَّتْ خيانتهُ
وكان في الغدر ما بين الورى علما
ببالغِ شأْوَ قومٍ لا أَباً لهمُ
من جاحدٍ عرفاً أو كافرٍ نعما
أعمى عيونَهمُ الدينارُ حيث عَلى
قلوبهمْ وعَلى أسماعهمْ ختما
كادوا لأُمتهمْ لكنْ لأنفسهمْ
كادوا لو أنَّ رشيداً بينهم علما
وَكيف بالرشدِ في قوم كبيرهمُ
من فوق عرنينه بالغدر قد وَسما
يا داحيَ الأرضِ هل ترضى بما اجترحتْ
أَبناؤها وَهمُ ومَنْ عَقَّ أو ظلما
فاخسفْ بهم أرضَهمْ وابعثْ عواصفَها
وَكوِّرِ الشمسَ وانثرْ نجمَها زِيَما
واجعلْ مياهَهمُ غوْراً بما ظلموا
واحبسْ سماءَك أَو أمطرهُم نقما
يا صاحبَ العرشِ لا تقلقك عاصفةٌ
هبَّتْ عليه بنحسٍ شيَّبَ اللمما
فعرشُ ملكك قد أضحتْ قواعدُه
في قلبِ كلِّ أبيّ ثَّبتتْ قدما
وَتاجُ ملكك ما ينفكُّ ميسمه
عَلى جبينك للرائين مرتسما
وَلا غضاضة في تركِ البلادِ وَقَدْ
(خُيِّرتَ أمرين ضاعَ الحزمُ بينهما)