للموتِ يُولَدُ مِنَّا كلُّ مَوْلودِ
يا أيُّها الأُمُّ ربِّي الطِّفلَ للدُّودِ
هل تحسبينَ سريراً ما تَوسَّدَهُ
باللَّيلِ أم نَعْشَ مَيتٍ غيرِ مَلحودِ
فوقَ التُّرابِ تُرابٌ قد مَشَى وغداً
تحتَ التُّرابِ يُغطَّى بالجَلاميدِ
كانتْ لهُ الأرضُ أياماً فصارَ لَها
دهراً طويلَ اللَّيالي غيرَ محدودِ
في ذِمَّةِ اللهِ مِنَّا راحلٌ رَحَلَتْ
مَعْهُ القلوبُ رحيلاً غيرَ مَردودِ
مَضَى على غير ميعادٍ لرِحلتِهِ
وكانَ من شأنهِ حِفظُ المَواعيدِ
غصنٌ أتتهُ رياحُ البينِ لافحةً
فجفَّ في وقتٍ جَرْي الماءِ في العودِ
غالتْ فغَلَّتْ أياديهِ التَّي خُلِقَتْ
للمَكرُماتِ وصُنعِ الخيِر والجودِ
بدرٌ تَوسَّد فوقَ النَّعشِ منطرِحاً
فاعجَبْ لِبَدرٍ على الألواح مغمودِ
واعجَبْ لجوهرةٍ في التُّرْبِ نازِلةٍ
واعجَبْ لسيفٍ بِطَيِّ اللَّحْدِ مَغمودِ
هذا الذي حِلْمُ مَعْنٍ مِن شَمائِلهِ
من سَطْوةِ البينِ لاقَى ظُلمَ نُمرودِ
أصابهُ البينُ في شَرْخِ الصِّبا عَبَثاً
فاعتاضَ ما كانَ موعوداً بمنقودِ
يا أيُّها القبرُ تَدرِي مَن إليكَ أتى
ومَن حَوَيتَ مِن القَومِ الأماجيدِ
يا قَبرُ أكرِمْ نزيلاً غير مرتحلٍ
إلى زمانٍ لبعثِ النَّاسِ مَوعودِ
قد صِرتَ أشرَفَ أرضٍ في مرابعنا
إذ نِلتَ أشرَفَ مولودٍ ومفقودِ
هذا مُرادُ المُرادِيُّ الأميرُ لهُ
من نِسبةِ اللَّمعِ أصلٌ غيرُ مجحودِ
زلَّت بهِ قدَمٌ في الأرضِ فامتَلَكتْ
أقدامُهُ في الأعالي كلَّ تَوطيدِ
مَضى إلى ربِّهِ الغَفَّارِ مُبتهِجاً
وخلَّفَ النَّاسَ في حُزنٍ وتسهيدِ
مَناحةٌ عندنا في الأرضِ حافلةٌ
وعندهُ في الأعالي بَهجةُ العيدِ
كم نادبٍ بعدَهُ عافَ الحياةَ ولَو
أعطتْهُ مُلكَ سُليمانَ بنَ داودِ
لا خيرَ في عِيشةِ الدُّنيا لواجِدِها
إن كانَ ما يَشتَهيهِ غيرَ موجودِ
جُدْنا بدمعٍ على الموتى فما حَمِدوا
هيهاتِ ما كلُّ ذي جُودٍ بمحمودِ
ما أغفَلَ الحيَّ عمَّا ذاقَ ميِّتُهُ
وأغفَلَ المَيْتَ عن نَوْحٍ وتعديدِ
قد فات ما فاتَ يا مَن ذابَ مِن أَسَفٍ
فلا تَقَلْ يا لُوَيلاتِ الصَّفا عُودِي
بيضٌ وسُودٌ ليالي النَّاسِ فارتَحِلي
يا أيُّها البِيضُ جاءَت نَوْبةُ السُّودِ