مَرادُهُمُ حَيثُ السِلاحُ خَمائِلُ
وَمَورِدُهُم حَيثُ الدِماءُ مَناهِلُ
وَدونَ المُنى فيهِم جِيادٌ صَوافِنٌ
وَمَأثورَةٌ بيضٌ وَسُمرٌ عَوامِلُ
لِكُلِّ نَجيدٍ في النِجادِ كَأَنَّما
تُناطُ بِمَتنِ الرُمحِ مِنهُ الحَمائِلُ
طَويلٌ عَلَينا لَيلُهُ مِن حَفيظَةٍ
كَأَنَّ صَباباتِ النُفوسِ طَوائِلُ
كِناسٌ دَنا مِنهُ الشَرى في مَحَلَّةٍ
بِها اللَيثُ يَعدو وَالغَزالُ يُغازِلُ
لَعَمرُ القِبابِ الحُمرِ وَسطَ عَرينِهِم
لَقَد قُصِرَت فيها السُروبُ العَقائِلُ
أَمَحجوبَةٌ لَيلى وَلَم تُخضَبِ القَنا
وَلا حَجَبَت شَمسَ الضَحاءِ القَساطِلُ
أَناةٌ عَلَيها مِن سَنا البَدرِ مَيسَمٌ
وَفيها مِنَ الغُصنِ النَضيرِ شَمائِلُ
يَجولُ وِشاحاها عَلى خَيزُرانَةٍ
وَتُشرِقُ تَحتَ البُردَتَينِ الخَلاخِلُ
وَلَيلَةَ وافَتنا الكَثيبَ لِمَوعِدٍ
كَما ريعَ وَسنانُ العَشِيّاتِ خاذِلُ
تَهادى اِنسِيابُ الأَيمِ يَعفو إِثارَها
مِنَ الوَشيِ مَرقومُ العِطافَينِ ذائِلُ
قَعيدَكِ أَنّى زُرتِ ضَوؤُكِ ساطِعٌ
وَطيبُكِ نَفّاحٌ وَحَليُكِ هادِلُ
هَبيكِ اِغتَرَرتِ الحَيَّ واشيكِ هاجِعٌ
وَفَرعُكِ غِربيبٌ وَلَيلُكِ لائِلُ
فَأَنّى اِعتَسَفتِ الهَولَ خَطوُكِ مُدَمجٌ
وَرِدفُكِ رَجراجٌ وَعِطفُكِ مائِلُ
خَليلَيَّ مالي كُلَّما رُمتُ سَلوَةً
تَعَرَّضَ شَوقٌ دونَ ذَلِكَ حائِلُ
أَراحُ إِذا راحَ النَسيمُ شَآمِياً
كَأَنَّ شَمولاً ما تُديرُ الشَمائِلُ
ضَلالاً تَمادى الحُبُّ في المَعشَرِ العِدا
وَلَفَّ الهَوى في حَيثُ تُخشى الغَوائِلُ
كَأَن لَيسَ في نُعمى الهُمامِ مُحَمَّدٍ
مُسَلٍّ وَفي مَثنى أَياديهِ شاغِلُ
أَغُرُّ إِذا شِمنا سَحائِبُ جودِهِ
تَهَلَّلَ وَجهٌ وَاستَهَلَّت أَنامِلُ
يُبَشِّرُنا بِالنائِلِ الغَمرِ وَجهُهُ
وَقَبلَ الحَيا ما تَستَطيرُ المَخايِلُ
لَدَيهِ رِياضٌ لِلسَجايا أَنيقَةٌ
تَغَلغَلُ فيها لِلعَطايا جَداوِلُ
أَتِيٌّ فَما تِلكَ السَماحَةُ نُهزَةٌ
وَفِيٌّ فَما تِلكَ الحِبالُ حَبائِلُ
زَعيمُ الدَهاءِ أَن تُصيبَ مِنَ العِدا
مَكايِدُهُ مالا تُصيبُ الجَحافِلُ
فَما سَيفُ ذاكَ العَزمِ فيهِم بِمَعضِدٍ
وَلا سَهمُ ذاكَ الرَأيِ أَفوَقُ ناصِلِ
بَني جَهوَرٍ عِشتُم بِأَوفَرِ غِبطَةٍ
فَلَولاكُمُ ما كانَ لِلعَيشِ طائِلُ
تَفاضَلَ في السَروِ المُلوكُ فَخِلتُهُم
أَنابيبَ رُمحٍ أَنتُمُ فيهِ عامِلُ
لَئِن قَلَّ في أَهلِ الزَمانِ عَديدُكُم
فَإِنَّ دَرارِيَّ النُجومِ قَلائِلُ
فِداؤُكُمُ مَن إِن تَعِدهُ ظُنونُهُ
لَحاقَكُمُ في المَجدِ فَالدَهرُ ماطِلُ
مَناكيدُ فِعلِ الخَيرِ مِنهُم تَكَلُّفٌ
إِذِ الشَرُّ طَبعٌ ما لَهُم عَنهُ ناقِلُ
فَإِن سُتِرَت أَخلاقُهُم بِتَخَلُّقٍ
فَكُلُّ خَضيبٍ لا مَحالَةَ ناصِلُ
لَكَ الخَيرُ إِنّي قائِلٌ غَيرُ مُقصِرٍ
فَمَن لِيَ بِاستيفاءِ ما أَنتَ فاعِلُ
لَعَمرُ سَراةِ الثَغرِ وافاكَ وَفدُهُم
لَما ذَمَّ مِنهُم ذَلِكَ النُزلَ نازِلُ
لَأَعذَرتَ لَمّا لَم يُمِلَّكَ مُكثُهُم
إِذا عَذَرَ المُستَثقِلُ المُتَثاقِلُ
نَضَدتَ رَياحينَ الطَلاقَةِ غَضَّةً
وَرَقرَقتَ ماءَ البِرِّ وَهوَ سَلاسِلُ
فَما مِنهُمُ إِلّا شَديدٌ نِزاعُهُ
إِلَيكَ مُقيمُ القَلبِ وَالجِسمُ راحِلُ
ضَمانٌ عَلَيهِم أَن سَيُؤثَرُ عَنهُمُ
عَلَيكَ ثَناءٌ في المَحافِلِ حافِلُ
مَساعٍ هِيَ العِقدُ اِنتِظامَ مَحاسِنٍ
تَحَلّى بِها جيدٌ مِنَ الدَهرِ عاطِلُ
تُنيرُ بِها الآمالُ وَاللَيلُ واقِبٌ
وَتُخضِبُ مِنها الأَرضُ وَالأُفقُ ماحِلُ
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي بِكَ أَصبَحَت
تَروقُ الضُحى مِنهُ وَتَندى الأَصائِلُ
تَلَقّاكَ بِالبُشرى وَحَيّاكَ بِالمُنى
فَبُشراكَ أَلفٌ بَعدَ عامِكَ قابِلُ
لَئِن يَنصَرِم شَهرُ الصِيامِ لَبَعدَهُ
نَثا صالِحِ الأَعمالِ ما أَنتَ عامِلُ
رَأَيتَ أَداءَ الفَرضِ ضَربَةَ لازِمٍ
فَلَم تَرضَ حَتّى شَيَّعَتهُ النَوافِلُ
سَدَنتَ بِبَيتِ اللَهِ حُبَّ جِوارِهِ
لَكَ اللَهُ بِالأَجرِ المُضاعَفِ كافِلُ
هَجَرتَ لَهُ الدارَ الَّتي أَنتَ آلِفٌ
لِيَعتادَهُ مَحضُ الهَوى مِنكَ واصِلُ
فَإِن تَتَناقَلكَ الدِيارُ فَطالَما
تَناقَلَتِ البَدرَ المُنيرَ المَنازِلُ
أَلا كُلُّ رَجوى في سِواكَ عُلالَةٌ
وَكُلُّ مَديحٍ لَم يَكُن فيكَ باطِلُ
فَما لِعِمادِ الدينِ حاشاكَ رافِعٌ
وَلا لِلِواءِ المُلكِ غَيرَكَ حامِلُ
لَأَمَّنتَني الخَطبَ الَّذي أَنا خائِفٌ
وَبَلَّغتَني الحَظَّ الَّذي أَنا آمِلُ
أَرى خاطِري كَالصارِمِ العَضبِ لَم يَزَل
لَهُ شاحِذٌ مِن حُسنِ رَأيِكَ صاقِلُ
وَما الشِعرُ مِمّا أَدَّعيهِ فَضيلَةً
تَزينُ وَلَكِن أَنطَقَتني الفَواضِلُ
بَقيتَ كَما تَبقى مَعاليكَ إِنَّها
خَوالِدُ حينَ العَيشُ كَالظِلِّ زائِلُ
فَما نَستَزيدُ اللَهَ بَعدَ نِهايَةٍ
لِنَفسِكَ غَيرَ الخُلدِ إِذ أَنتَ كامِلُ