الكاهن المتقاعد

التفعيلة : حديث

يقول لي الكاهن المتقاعد

إذ السوق منصوبة

والتماثيل فوق المناضد

تعال انظر اليوم ما عند عمك

لا تشترِ الرب إلا إذا أنت جربته

فتبسمت

قال سيعمل حتى إذا لم تكن مؤمناً أنت

يكفيه أن الورى يؤمنون به

فإذا آمن الناس بالطين فالطين رب بكل المقاييس

إن الحقيقة بنت الأساطير لا العكس

ضع درهمين لتشعر من بعدها بالثقة

فقد ابتعت بالدرهمين إلهاً وقوته المطلقة

حسبُ جرب فلا بأس يا صاحبي بالتجارب

حملت إلهاً وأرجعته

قال مهلاً

ولا تتهمني بسوء الصناعة

ليس من السهل تصنيع رب

ولا تبخسوا الناس أشياءهم

فتبسمتُ

قال أنا لم أضلل شيوخ القبائل

إذ يسجدون لآلهتي

بل هم استأجروني لينتظم الأمر

لم يكن القصد بالضبط

أن يستغل القوي الضعيف

ولكن أرادوا نظاماً يقيناً مريحاً

يخفف من وطأة العبثية في الصحراء

وما بين حين وحين يسهل سير التجارة في الفلوات

ولا تعتقد أنه كان سهلاً

ولا أن أصحابك اقتنعوا هكذا

فالعباد يشكُّون في دعوتي منذ أول يوم

صنعت لهم فيه رباً

وقلت لهم إنه يرتشي ويحب الدراهم والأضحيات

ولكنهم آمنوا بالتواطؤ

فالرب حتى وإن كان من عجوة التمر

يصلح للخوف والأمنيات

ويصلح وهو الأهم لسن القوانين والمُلك

والأمل الكاذب الحيوي الذي لا يحرر عبداً

ولكن يتيح عبودية فخمة وسعيدة

ومنذ أطاعوا

غدت للإله الذي أنت أرجعته من يديك قوى وعجائب

وإن السماء ضرورية فإذا بعدت

صار حتماً علينا اختراع سماء مقربة

سهلة الهضم ترضي الجميع مغذية ومفيدة

لذا فأنا عادة ما أكون حريصاً

ليخدم ربي خادمه ويراعي عبيده

لكل امرئ ربه الخاص

ثم إله لجمع الحبوب

وثم إله لخوض الحروب

وثم إله لريح الشمال وريح الجنوب

فآلهتي سادة خادمون

يقيمون في الأرض أو في السماء الموائد

مصالح أولاد آدم خالدة

والتظالم لا بد منه

وهم لا يزالون يبغون أسطورة كي تريح ضمائرهم

وأنا بالبخور أفصل حول مصالحهم قصة

عن مشيئة رب هنا أو رُبيب هناك

وقلب الحقيقة سهل كقلب الجوارب

فحدقت فيه

فقال أتعجب أم أنت غاضب؟

نعم إن آلهتي سادة وخدم

وتكهنت رغم يقيني بأن الصنم

خدعة للأمم

إنهم أممٌ مثلما قلت

لم يخدعوا راغمين بل انخدعوا راغبين

وأعجبهم ما أقول لهم

كذب ذاب في كذب فانسجم

ولكنه كذب طيب ويساعد

وأنتم تصرون أن الحقيقة من هاهنا أو هناك

وتعرق أوداجكم في الجدال لحد القتال

فهذا هراء وتضييع جهد

فما شأنكم ما يُسمَّى وما شكله؟

أله لحية أم جناحان؟

عندي آلهة كالأسود وآلهة كالكباش وآلهة كالعقارب

وتجربتي

كلهم نافع نافق السوق إن كان يعمل في الناس

فهو إله ولو كان تمراً

فإن شئت قلدته السيف والدرع مثل المحارب

وإن شئت

كان رضيعاً تهدهده الشمس في حضنها مثل قارب

وإن شئت أكثرت أوجهه مثل مروحة

وجعلت الإله كثير الأيادي طويل الشوارب

إلى أن تكون المشارق موصولة بالمغارب

وآلهتي أيها المؤمن الحق جد مسالمة

والخلافات ما بين رب ورب

أخف من الحرب ما بين من آمنوا بالإله الموحد

واختلفوا في المذاهب

لقد أغفل الدراسون التفاصيل

فالجاهلية كانت حروباً على العشب والماء هذا صحيح

ولكن سلماً عظيماً

يكاد يكون مؤامرة كان منعقداً في المعابد

ضحكت

فقال أتسخر مني؟

إذا شئت قم واشترِ الآن مني إلهاً تكسّره حين ترغب

وإن لم تشأ صحبتك السلامة واذهب

ولكن تواضع ولا تدَّعِ اليوم أنك أفضل مني

وتغضب

فلو عرضوا أن أكون رئيساً عليكم رفضت

فبيع التماثيل أشرف عندي

وهذا الذي تصنعون بإيمانكم عجب ويثير فضولي

وأمسك بي من قميصي وقال

ألا إن للجاهلية قاعدة ونظاماً

وإن ارتجالكم الجاهلية يا صاحبي هكذا خطر

فد أظلتكم الريح أو صيحة الله أو طلعة الطيران

وأطفالكم وُئدوا بالقنابل أو بالمجاعة

أشياخكم قتلوا

ونساؤكم اغتصبوا في الكنائس أو في المساجد

سفكتم على وحدة الله ألف دم

ثم عدتم

بخور الهوى الوثني يحول أسيافكم بينكم

ويفرقكم دولاً وشعوباً

وتقتتلون على خبز كسرى وقيصر

يشهد كل فريق من المؤمنين على الخصم بالجاهلية

والجاهلية تضحك بين الجنود

وتلمع جمرتها في المواقد

فقلت السلام عليك وسرت

سلام على الكاهن المتقاعد


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

قالت مها

المنشور التالي

الشوارع فجراً

اقرأ أيضاً